هل يمكن حصرها في نمط معين من الثقافة؟ بلا شك لا. حديثنا هنا عن مصر، وهي الدولة المتنوعة ثقافيًّا التي روت شجرة السينما على مستوى الوطن العربي بعدد من الأفلام والأعمال الدرامية الخالدة إلى يومنا هذا، وسوف تُخلَّد سنوات عدة، فما الذي يجعل السينما المصرية فريدة في العالم العربي؟
تتميز مصر بطبيعة ساحرة فريدة من نوعها، كما تتميز بحضارة دامت لآلاف السنين، وهذا ما جعلها وجهة سياحية مرموقة، وأيضًا تحتوي عددًا من المواقع المبهرة من أجل تصوير الأفلام وإخراجها بأسلوب فريد لا مثيل له، وهذا يُعد سببًا واحدًا من ضمن عدد من الأسباب التي جعلت السينما المصرية فريدة وسط الأفلام التي تُنتج في جميع أنحاء الوطن العربي.
ما الذي يجعل السينما المصرية فريدة في العالم العربي؟
أود أن أؤكد أمرًا ما، عندما تابعت فيلم (إبراهيم الأبيض) بطولة الفنان أحمد السقا والفنانة هند صبري والفنان الراحل محمود عبد العزيز، وهو أن طبيعة مصر الساحرة لا تكمن فقط في الجبال والبحار والأماكن الفاخرة وحسب، ولكن مصر تُعد من البلاد التي تُعبِّر أماكنها عن قصتها.
فهذا الفيلم كان لا بد أن يجري تصويره في الأحياء الشعبية بكل تفاصيلها وتداخل العناصر فيها؛ لأنها تتناسب مع قصة الفيلم التي تحكي عن البطل إبراهيم وتأثره بهذه الحالة الفريدة من نوعها التي من المستحيل أن تجد لها مثيلًا في أي بيئة شعبية في أي بلد آخر.
وددتُ أن أذكر هذا الأمر لأنه من المعروف أن السينما تُعبِّر عن ثقافة الشعب، ولا أقول إن هذا الفيلم يمثل كل الشعب، بل يمثل قطاعًا معينًا منه. وقد حاولت أفلام أخرى أن تحذو حذوه، لكنها لم تقدم هذه البيئة بذلك الإتقان الموجود في هذا الفيلم. أما إن كنت تريد معرفة إجابة سؤال ما الذي يجعل السينما المصرية فريدة في العالم العربي؟ فهيا بنا نستعرض الإجابة فيما يلي.
ريادة السينما المصرية
أول ما يميز السينما المصرية عن السينما في باقي أنحاء الوطن العربي هو أنها أقدم سينما في هذه المنطقة، إذ بدأ إنتاج الأفلام السينمائية منذ أوائل القرن الماضي، أي منذ نحو مئة عام. وهذا ما حقق لها الريادة عن استحقاق، وجعلها تقود صناعة السينما وتبقى في الصدارة دائمًا.
تنوع الأفلام
إن كنت تريد إجابة مباشرة عن ما الذي يجعل السينما المصرية فريدة في العالم العربي؟ فهي ببساطة متنوعة للغاية. فمنذ العصر الذهبي للسينما المصرية في منتصف الأربعينيات والخمسينيات، مرورًا بالستينيات والسبعينيات وما بعد ذلك، نجد أن السينما المصرية متنوعة للغاية ولا تركز على نوع واحد من الأفلام، ثم إن ثقافة الشعب المصري كانت وما زالت منفتحة على كل أنواع الأفلام، ولا تحصر المنتجين والقائمين على هذه الصناعة في نوع معين لتلبية طلبات الجماهير.
فعندما تجلس مع ذاتك أو مع صديق مثلًا، وتبدأ في تذكر أهم الأفلام التي مرت على تاريخ السينما المصرية، فسوف تجد تنوعًا رهيبًا بين الأفلام الكوميدية والتراجيدية والتاريخية، حتى أفلام الرعب كان لها نصيب في السينما المصرية صاحبة التاريخ الكبير والإنتاج الغزير، على سبيل المثال، نتذكر فيلم (الإنس والجن) بطولة عادل إمام ويسرا، وجزأي فيلم (الفيل الأزرق) بطولة كريم عبد العزيز وهند صبري.
وهذان الفيلمان هما جزء من قائمة كبيرة تضم هذا النوع من الأفلام النادر في السينمات التي تخص الدول العربية الأخرى، وهي من علامات تميز وتفرد السينما المصرية.
قوة نجومها
عند تألق نجم من النجوم في أحد الأفلام، فإنه يكون قاعدة جماهيرية ليس على مستوى مصر فقط، بل على مستوى الوطن العربي كله، فتجد مثلًا في موسم الرياض، عددًا من نجوم الشاشة المصرية موجودين هناك، ويتراص الجمهور العربي بالآلاف أمام العروض التي يقدمونها سواء في السينما أو على خشبة المسرح؛ وذلك لأن النجوم المصريين يسافرون بنجوميتهم عبر الأقطار كلها، وليس على مستوى القطر المصري فقط.
اللهجة المصرية
هل لفت نظرك أنك إن سافرت إلى أي دولة عربية، وتحدثت باللهجة المصرية الخاصة بك، فإنك سوف تكون مفهومًا في أي مكان، بصرف النظر عن الدولة التي توجد بها؟
فسوف تكون مفهومًا في الكويت والإمارات وتونس والمغرب؛ وذلك لأن السينما المصرية أسهمت في انتشار اللهجة المصرية وجعلتها من اللهجات المعروفة على مستوى الدول العربية. وأيضًا مع انتشار العمالة المصرية على مدار عقود، أصبح من السهل التعامل مع تلك اللهجة، وهذا ما كان له أثر عكسي على السينما المصرية، وجعلها فريدة على مستوى سينمات الوطن العربي.
الأعمال الكلاسيكية والإنتاج الغزير
الشيء المميز في السينما المصرية الذي يجعلها فريدة في العالم العربي، هو الأفلام الكلاسيكية. ومن العجيب أنك إن ناقشت صديقك السعودي مثلًا، فسوف تجد لديه معلومات كثيرة عن تلك الأفلام وتاريخ إنتاجها وقصتها وأبطالها، وقد يكون لديه معلومات لا توجد لديك شخصيًّا. وهذا يدل على تأثير تلك الأفلام على مستوى الوطن العربي.
وأيضًا، غزارة الإنتاج تُعد من أهم عوامل تفرد السينما المصرية في العالم العربي، فمع أنَّ بعض الدول العربية تُنتج عددًا محدودًا من الأفلام سنويًّا، تجد أن مصر تنتج عشرات الأفلام والمسلسلات سنويًّا، ما يضمن استمرار التأثير الثقافي والفني لها في المنطقة.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.