الطفل منذ لحظة الميلاد يبدي تعلقًا شديدًا بأمه، ومع مرور الأيام والأسابيع والشهور، يزداد هذا التعلق، مع وجود آخرين في محيطه الأسري، الأب، الإخوة، الأٌقارب، الأصدقاء، فلماذا كل هذا التعلق بالأم؟ وما النصائح التي يمكن تقديمها للأمهات حول هذه الظاهرة الموجودة لدى كل الأطفال الصغار دون الشهور الستة؟
اقرأ أيضًا: وضعيات نوم الطفل الرضيع
تساؤلات المحيطين.. لماذا يتعلق بك؟
دائمًا ما يبدي المحيطون بنا أراءهم في كيفية تربيتنا لأبنائنا، يضعون أنوفهم في كل صغيرة وكبيرة، يتساءلون: لماذا لا تتركينه يبكي؟ لماذا لا تجمدي قلبك؟ لما كل هذا التعلق وكأنه لا يرى غيرك؟
ليس هذا فحسب، بل يقدمون نصائح من قبيل، أن هذا الطفل عندما يكبر لن يكون قادرًا على التفاعل والتواصل مع المحيطين به، اتركيه يبكي مرة واثنتين وبعدها سيعتاد على ذلك ولا يصرخ مجددًا.
عندما تتحرك الأم بعيدًا ولو لأمتار قليلة عن رضيعها، يبدي انزعاجه وصراخه وبحثه الدؤوب عنها بعينيه، يتابعها ببصره، يرصد تحركاتها، همساتها، حتى أنفاسها، ولسان حاله: لمن تتركيني يا أماه؟!
اقرأ أيضًا: أفضل طرق تساعد على نوم الطفل الرضيع
ذاكرة التمييز لدى الطفل
تبدأ ذاكرة التمييز لدى الطفل في الشهر السادس حتى الشهر الثامن من الميلاد، ما يعني أن الطفل يستطيع أن يميز غياب الأم حوله إن لم يجدها، في ظل الوجوه الكثيرة التي يشاهدها كل يوم، من الأهل، الأقارب، الأصدقاء، حتى الضيوف، وهذه النقطة تحديدًا لم تكن موجودة خلال الشهور الست الأولى من الميلاد.
قد نلاحظ جميعًا أن الطفل الصغير، عندما يرى أناسًا غرباء، يراهم أول مرة، وجوههم غريبة لم يعتدها، يبكي بكاءً شديدًا، ويلتصق بأمه أكثر وأكثر، ولا يريد ابتعادها عنه، فهي مصدر الأمن والأمان له.
ولذلك، هذه الأفعال التي تصدر من الطفل "طبيعية" ودليل على تطور نمو المخ جيدًا لدى الطفل، إذ يكون قادرًا على التمييز بين الأقارب والأغراب.
أما كون الطفل يبكي، فهذه الطريقة الوحيدة التي يجيدها حتى هذه اللحظة، كون جهاز النطق لم يكتمل لديه، وبمجرد اكتمال جهاز النطق يبدأ بالتعبير بواسطة الكلمات عن الأمور التي تزعجه.
اقرأ أيضًا: ما سبب البكاء الهستيري للطفل الرضيع؟
الأم العاملة وتعلق الأبناء
من الجيد أن يكون الطفل بالقرب من أمه خلال سنوات عمره الأولى، كونها مصدر الأمن والأمان، ومصدر الإشباع الوحيد، جسديًّا، عاطفيًّا، اجتماعيًّا، ونفسيًّا. لذلك سيكون غياب الأم العاملة عن الطفل ساعات يوميًّا من شأنه أن يصيبه بالقلق والتوتر والخوف من الغرباء، وهذه ظاهرة غير صحية بالمرة.
لذلك نؤكد مرارًا وتكرارًا على أهمية وجود الأم بالقرب من طفلها منذ لحظة الميلاد حتى الفطام في الأقل؛ لأن غياب الأم في هذه المرحلة تحديدًا لا يمكن لأي أحد تعويضه.
يمكن القول إذن بأن سلوك التعلق عند الطفل الصغير "طبيعي"، ويحتاج إلى أبوين متفهمين لطبيعة هذه المرحلة التي يمر بها، وإذا أحسن الوالدان التصرف؛ فإنه يؤثر بالإيجاب على نفسية الطفل واستقراره النفسي، كونه يشعر بأنه محبوب، وأنه غير مرفوض.
متى ينتهي سلوك التعلق عند الأطفال الصغار؟
الجواب على هذا السؤال يتوقف على الأم وعلاقتها بطفلها، ومدى قربها أو بعدها عنه، فكلما كانت الأم قريبة من طفلها في العامين الأولين، قلَّ هذا التعلق بدرجة كبيرة، تمامًا كالمراهقة، هي مرحلة يمكن أن تطول أو تقصر حسب تعامل الوالدين مع الأبناء فيها، ومدى تفهمهم للتغيرات التي تطرأ على الأبناء في هذه المرحلة.
فيمكن لسلوك التعلق أن يختفي بعد السنوات الثلاث الأولى، ويمكن إذا ما أحسن الآباء التصرف أن تنتهي بعد العام الثاني، والمطلوب هنا من الوالدين، الهدوء والاتزان، وعدم الاستماع لنصائح المحيطين "السلبية" تحديدًا.
على الوالدين أن يتذكرا دائمًا أنها مرحلة مؤقتة ستنتهي في وقت معين، لكن يجب عليهما في هذه المرحلة حسن التصرف، والإعداد المسبق لها مهمٌ جدًّا كونه نوعًا من التهيئة النفسية للمرحلة المقبلة بتحدياتها.
الأجواء العائلية مفيدة للغاية للأطفال في هذه المرحلة، أن يلعب مع أبناء عمومته، أو أقاربه، يتعرف على أفراد العائلة، وأن يطور علاقاته الاجتماعية والتفاعل مع المحيطين بالإشارات ثم بالكلمات، فالأجواء العائلية هذه ليست فقط مهمة للأبناء، وإنما للوالدين أيضًا؛ لما فيها من تواد وتقارب وصلة أرحام.
الغياب المفاجئ
من الأشياء التي يجب على الوالدين -تحديدًا الأم- الحذر منها، هو الغياب المفاجئ عن الطفل، دون تهيئة أو إعداد نفسي لذلك، فالطفل في هذه اللحظات تراوده مشاعر الخوف والشعور بعدم الأمان.
تُظهِر بعض الأمهات الذكاء في التعامل مع أطفالها، نجدها تغني له، وتنشد له، حتى وإن بعدت عنه، كأن تذهب إلى المطبخ، أو إلى غرفة مجاورة لكنها تشعره بقربها منه؛ لكي لا ينزعج أو يقلق.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.