الأنيميا، أو ما يُعرف بفقر الدم، من الاضطرابات الشائعة التي تحدث نتيجة انخفاض مستويات الهيموجلوبين في الدم، ما يؤدي إلى مشكلات صحية عدة، مثل التعب الشديد، الدوار، وضيق التنفس. ويمكن أن يكون سبب الأنيميا نقص الحديد، فقدان الدم، أو اضطرابات أخرى في النخاع العظمي. ويعتمد تشخيص الأنيميا على الفحوص المخبرية التي تساعد في تحديد السبب الدقيق لهذا المرض. في هذا المقال، سنستعرض أسباب الأنيميا، أعراضها، وكيفية تشخيصها وعلاجها، إضافة إلى علاقتها باضطرابات الدم المختلفة.
التشخيص والاختبارات المعملية للأنيميا
عادة ما تكون الاختبارات المعملية أساس تشخيص الاضطرابات الدموية والأمراض المسببة لها أينما دعت الضرورة إلى ذلك بالنسبة للمرضى الذين يعانون هذه الاضطرابات؛ لأن التاريخ الإكلينيكي للمريض قد يكون غير مجدٍ، إضافة إلى أن فحص جسم المريض قد يكشف عن قليل من الأعراض، وقد لا يكشف عنها على الإطلاق.
الأعضاء الأكثر تأثرًا باضطرابات الدم
الجلد والأغشية المخاطية والجهاز العصبي المركزي والكبد والطحال والغدد الليمفاوية هي أكثر الأعضاء أو الأنسجة الرئيسة التي تتأثر باضطرابات الدم، إضافة إلى أن الدم والنخاع العظمي من الأعضاء التي يمكن أن تتأثر بذلك أيضًا.
أصبح بالإمكان الآن بمجرد الشك في وجود اضطراب دموي إجراءَ سلسلة من فحوصات الدم، ويمكن التوصل بها إلى تشخيص دقيق في الحالات المرضية جميعها.
أهمية التاريخ الإكلينيكي والفحص السريري
ويعتمد التشخيص الكامل على معرفة النوع السليم للاضطراب الدموي، وعلى الكشف عن -كلما كان ذلك ضروريًا- المرض المسبب له خارج جهاز الدم الذي يحدث الاضطراب في مريض بعينه، ومع ذلك فالتاريخ الإكلينيكي وفحص جسم المريض لهما أهمية كبرى في اقتراح المسار الصحيح للفحوص، وفي تحديد درجة شدة المرض والتأثير الشامل له في مريض بعينه، وكذا في تحديد أفضل أساليب المداواة.
أمراض النخاع العظمي واضطرابات الدم
وغالبًا ما تنشأ الأنيميا ونقص كريات الدم البيضاء المتعادلة ونقص صفائح الدم منفصلة كانت أم مجتمعة أي نقص الخلايا الشامل عن أمراض النخاع العظمي، وتحدث زيادة في الخلايا الحمراء والخلايا البيضاء أو صفائح الدم من المرض.
تعريف الأنيميا
هي أحد الأعراض المرضية الشائعة في تاريخ الطب الإكلينيكي، وتُكتشف وتحدد عند وجود الهيموجلوبين في الذكور البالغين بنسبة تقل عن 13.5/dl، وفي الإناث البالغات بنسبة تقل عن 11.5/dl، ولو أن قليلًا من المختبرات تحددها بمعايير تختلف عن ذلك قليلًا.
العوامل المؤثرة في قياس الأنيميا
تنخفض النسبة الطبيعية للهيموجلوبين في الأطفال قبل سن البلوغ قليلًا عن النسبة لدى الإناث البالغات، ومع ذلك تُحدد الأنيميا بأسباب عملية على أساس تركيز الهيموجلوبين في كمية معينة من الدم، وأن هذا التركيز يعتمد على إجمالي كتلة الخلية الحمراء الدوارة، وعلى إجمالي كمية البلازما، ففي معظم المرضى الذين يعانون نقص كتلة الخلية الحمراء تزيد كمية البلازما؛ لتحافظ على ثبات كمية الدم؛ لذا تنشأ الأنيميا، وفي حالة الفقد الحاد للدم تنخفض كتلة الخلايا الحمراء وكمية البلازما، وتعزى الأعراض إلى انخفاض الكمية الإجمالية للدم، ولا تعزى إلى الأنيميا.
أعراض الأنيميا وعوامل شدتها
يتوقف ظهور الأعراض وحدتها على سرعة بداية الأنيميا وعمر المريض، وعلى وجود مرض في القلب والرئتين، وعلى نوع الأنيميا الموجودة، فعندما تتطور الأنيميا بسرعة، لا سيما عند كبار السن تزداد حدة الأعراض عن مثيلاتها في الأنيميا التي تتطور ببطء لدى الشباب الذين تصل نسبة الهيموجلوبين لديهم إلى 8g/dl أو أقل من ذلك قبل أن يلجؤوا إلى الطبيب.
كيف يتكيف الجسم مع نقص الهيموجلوبين؟
ويستطيع الأطفال التكيف مع الأنيميا ذات البداية الخادعة، وتتوقف أعراض الأنيميا على طبيعة هذه الأنيميا، ففي الأنيميا المزمنة عمومًا يوجد تهيؤ لتفكك الأكسجين في منحنى الهيموجلوبين الذي عبره يصل الأكسجين إلى الأنسجة (التحول إلى اليمين في المنحنى)، ويتحقق هذا بواسطة زيادة في الخلايا الحمراء لمركب (2.3 – diphosphoglyceric acid) الذي يتنافس مع الأكسجين في تماسك الهيموجلوبين.
وبسبب الشكل السيني لمنحنى تفكك أوكسجين الهيموجلوبين نادرًا ما تتسبب الزيادة في الخلايا الحمراء لمركب (2.3-DPG) بتعويق الرئتين عن امتصاص الأكسجين، وقد لا تعوقها على الإطلاق، ومن ناحية أخرى يزيد خروج الأكسجين إلى الأنسجة بصورة كبيرة نتيجة زيادة في الخلايا الحمراء لمركب (2.3-DPG).
وتظهر الملامح الإكلينيكة الرئيسة نتيجة تغيرات في الجهاز الدموي التنفسي التي تلاحظ إذا كانت الأنيميا حادة فقط، فقد يحدث ضيق في التنفس والشعور بالدوار أو الإغماء في أثناء التدريب أو الانفعال.
قد تظهر عند الفحص وفي المرضى جميعهم تقريبًا خفقة سريعة قافزة، وزيادة نتاج أو إنجاز القلب مع نسبة هيموجلوبين تقل عن (7g/d1).
المشكلات البولية المرتبطة بالأنيميا
وهي شائعة في مرض الأنيميا، فوجود البروتين بنسبة معتدلة في البول تسببه الأنيميا الحادة، بينما يحدث البول الداكن عند تحلل الدم في الأوعية الداخلية مع الهيموجلوبين في البول، فيحدث البول الهموسوري، غير أنه يكشف بواسطة صبغ راسب البول للحديد الذي يخرج من خلايا أنابيب الكلى.
ويحدث البول الدموي في حالات الاضطرابات الدموية، وعند وجود آفات موضعية في المجاري البولية، وقد يؤدي في الحالات المزمنة إلى نقص معقول (معتدل) في الحديد، وقد أثبت الفحص المجهري للبول وجود خلايا حمراء في أمراض الخلية المنجلية.
تأثير الأنيميا في الجهاز العصبي
تشمل الأعراض العامة للأنيميا الجهاز العصبي، فالصداع والطنين والدوار وعدم القدرة على التركيز من الملامح المتكررة.
تظهر أعراض الخلل العصبي الطرفي وعلاماته أو تلف العمود الخلفي أو الجانبي بالنخاع الشوكي في حالات النقص الحاد في فيتامين (B12)، وتتناسق هذه الأعراض بصفة عامة، وتؤثر في الساقين أكثر مما تؤثر في الذراعين، وفي بعض الحالات تسود أعراض الاعتلال العصبي البصري أو العته.
قد يظهر الاضطراب في قاع عين مريض الأنيميا الحادة، لا سيما عندما تتطور الأنيميا بسرعة محدثةً نقصًا في الأكسجين الواصل إلى الشبكية نظرًا لعدم وجود الوقت الكافي للتعويض الدوار للأنيميا.
العوامل الوراثية في الإصابة بالأنيميا
له أهميته بالنسبة للمرضى الذين تشتبه إصاباتهم بأنيميا تحلل الدم الخلقية، فالوراثة عنصر بارز في أنيميا الخلايا الكروية والإهليليجية الوراثية، وعادة تصيب الأنيميا أو الصفراء أو الحصوات الصفراوية أو يستأصل طحال أحد الوالدين أوالشقيق أو الشقيقة أو الجد أو العم أو العمة.
وكذلك يوجد كروموسوم وراثي يرتبط بأنيميا الخلية المنجلية، وبفقر الدم البحري (مرض الثلاسيميا)، لكن قد لا تظهر أعراض للمرض في أعضاء الأسرة الذين يحملون هذه الخاصية، وترتبط الوراثة بالجنس في أنواع نقص زيادة حديد الخلايا الأولية الخلقية الشائعة.
تأثير الأدوية في تطور الأنيميا
تعد معرفة الوضع الوظيفي والعلاج السابق من الأمور المهمة في حالة مريض الأنيميا، فيكاد لا يوجد اضطراب دموي لا تستطيع العقاقير أن تسببه، ويشمل أكثر العلاجات شيوعًا، فتاريخ تعاطي مريض نقص الحديد للأسبرين، وعلاج نوبات التشنج المرتبطة بنقص الفولاتات – الكلورفينكول أو الفنيل بيوتازون المرتبط بمرض الأنيميا غير النسيجية والسيلفونا ميدو الفيتاستين وأدوية علاج الملاريا التي تسبب حدوث انحلال في الدم لدى المرضى الذين يعانون نقصًا في (G-6-PD)، وعلاج المثيل دوبا المسبب لتحلل الدم من المناعة الذاتية، والعلاج بالأدوية المثبطة للحصانة والمسممة للخلايا لدى مرضى أنيميا نقص كريات الدم البيضاء المتعادلة.
تأثير العوامل الاجتماعية والنظام الغذائي في الإصابة بالأنيميا
يوجد احتمال بأن الفقر والاضطرابات العقلية تؤدي إلى الحصول على غذاء عديم القيمة، مع ما يستتبع ذلك من نقص في التغذية، ويعد نقص الفوليتات من أكثر الأعراض حدوثًا، والنباتيون لديهم قابلية للإصابة بنقص فيتامين ب 12، وتعد المشروبات الكحولية مادة سامة مباشرة للنخاع العظمى، فيميل المرضى الذين يتناولونها دون الحصول على غذاء جيد إلى الإصابة بالأنيميا التي تصحبها -في بعض الحالات- خلايا عملاقة ناتجة عن نقص الفولاتات، وإلى الإصابة بأنيميا زيادة حديد الخلايا الأولية الناشئة عن اضطراب أيض البيريدوكسين، لكن في حالات أخرى يبدو أنها تحدث نتيجة التأثير السام المباشر للكحول في النخاع، ويجوز أن تظهر الأنيميا على مدمني الكحول نتيجة مرض في الكبد.
وتؤدي الإقامة في المناطق المدارية؛ مثل الهند وسنغافورة وبورتوريكو إلى الإصابة بإسهال المناطق الحارة، وما يتبع ذلك من نقص في الفوليت أو فيتامين ب 12، وتعد أنيميا نقص الحديد الناشئة عن الإصابة بالإنكلستوما أحد الأسباب الأكثر شيوعًا للإصابة بالأنيميا في المناطق الحارة، وقد تسبب الملاريا في المناطق الحارة الأنيميا، لكنها تشخص بأعراض أخرى.
الأصول العرقية ودورها في انتشار الأنيميا
كشف عن أنيميا الخلية المنجلية وخصائصها في أفراد من الزنوج سواء من إفريقيا أو من أجزاء أخرى من العالم، لكنها وجدت في أفراد ينتمون إلى مجموعات عرقية، لا سيما في الشرق الأوسط والهند، ويظهر فقر الدم البحري البائي على قاطني منطقة البحر الأبيض المتوسط، لا سيما اليونان وقبرص وتركيا وبلدان الشرق الأوسط، غير أنه يصيب مناطق من العالم بصورة أقل.
وتشيع أعراض فقر الدم البحري الألفي في الشرق الأقصى، ويحدث في منطقة البحر المتوسط نقص في (G-6-PD)، فتظهر الأنيميا بعد تناول الفول (التسمم بالفول)، بينما يرتبط نقص (G-6-PD) بصفة خاصة لدى أفراد من الزنوج وبعض المجموعات العنصرية الأخرى بحساسية العقاقير.
وتصيب الأنيميا الخبيثة مواطني أوروبا الشمالية عمومًا كما تصيب المجموعات العنصرية الأخرى، بينما تصيب أنيميا الخلايا العملاقة الناشئة عن الأمراض الجوفية المقيمين في بلاد أخرى مثل إيرلندا.
أعراض الأنيميا عند الأطفال ومضاعفاتها
لا تظهر أعراض الأنيميا على الأطفال إلا بعد أن تبلغ بالفعل مرحلة حادة، وغالبًا ما تظهر مع إصابة عرضية أو مع إسهال وقيء، وتشخص الأنيميا بعد فحص الدم فقط، وتظهر سرعة الخفقان بجلاء أكثر من الخفقة القاهرة في هذه الحالة، وقد يحدث تعدد أو اتساع في النخاع الجوفي في حالات أنيميا تحلل الدم الخلقي، وهو ما يؤثر كثيرًا في العظام وحجمها، ويشيع ذلك في حالات فقر الدم البحري الأكبر بصفة خاصة عندما يُحتمل أن يؤدي ما يسمى بروز الجمجمة واتساع عظام الوجه إلى سمات نمطية ناشئة عن مثل هذا النوع من التعدد النخاع الجوفي، وتقل ملاحظة هذه الأعراض في الحالات الحادة الأخرى لأنيميا تحلل الدم الخلقي، مثل أنيميا الخلايا الكروية أو نقص أنزيم بيروفيت، ويسود تاريخ مرض الأنيميا المنجلية عادة أعراضًا مثل نوبات من آلام البطن والظهر أو آلام العظام الناشئة عن صدع في الأنسجة.
وقد تؤدي أزمات تحلل الدم وعدم النمو لدى بعض المرضى إلى سرعة زيادة حدة الأنيميا مع زيادة في الأعراض، ويحتمل أن تؤدي الآلام المتكررة في العظام إلى تغيير في مظهر المريض الذي عادة ما يكون نحيلًا مع احتمال قصر أصابع اليدين، وقد تسبب الأنيميا الخلقية الشديدة إعاقة نمو.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.