تعاني اللغة العربية اليوم أزمةً حقيقيةً في المجتمعات العربية لما أصابها من تراجع في كل الجوانب والمستويات، وكل ذلك أساسه ضعف الاهتمام الأكاديمي بتعليمها والأساليب الجافة المعتمدة في تلقينها ما يؤدي إلى نفور الناشئة منها حتى أصبحنا نجد من يخجل من نطقها أو توظيفها في حياته اليومية والعملية.
اقرأ أيضًا اللغة العربية الفصحى وخطر هجرها على الأجيال
أسباب اضمحلال اللغة العربية
إن الانفتاح على اللغات الأجنبية والانبهار المبالغ فيه بالثقافات الغربية أحدث عطبًا غزيرًا في تقديرنا للغتنا العربية، ما أدى إلى تراجعها واضمحلالها، حتى غدا من الضروري أن نحدث التفاتة سريعة، ونهضة لغوية شاملة تلبي متطلبات العصر الذي نعيش فيه وتعيد المكانة للحضارة العربية، وتهتم بإعادة الصياغة اللغوية في التواصل والتعامل والتدريس.
لاسيما بعد شيوع الوسائل التكنولوجية الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي، التي باتت خطرًا حاذقًا يحيط بها، فشباب اليوم أصبحوا يستخدمون اللغة العربية المكتوبة باللغة اللاتينية، وهي من أشنع الجرائم التي ارتُكبت في حقها على مر العصور من وجهة نظري، إنه اغتصاب لحرمتها وقواعدها.
ولعل إبعاد اللغة العربية عن وسائل التواصل الحديثة كان من أهم أسباب الاضمحلال والضمور، في حين اتُكئ على اللغات الإنجليزية والفرنسية حتى غدتا رمزًا للثقافة والحضارة..
من جهة ثانية إن الأفكار التي تبنتها مجتمعاتنا عن صعوبة اللغة العربية وإتقانها، وكثرة الشكوى من قواعدها الكثيرة والمعقدة لا سيما القواعد النحوية أحدثا نفورًا شديدًا عند المتعلمين دون داع أو سبب مقنع؛ لأن حقيقة الأمر تقول إن هذه الآراء كلها تظلمها العربية.
فلغتنا العربية مبسطة إلى حد كبير، ذنبها فقط أنها تُعنى بالدقة والجمال وترفض اللحن والكلام الهجين، وهذا أمر لا بد من التصالح معه؛ لأننا بصدد لغة القرآن والسنة، ولهذا كان ينبغي الحرص عليها وحمايتها والحفاظ عليها بداخل أعيننا..
إن محاولة استبصار العربية وربطها بالواقع والتمسك بها كان سيحدث اختلافًا عظيمًا في تقديرنا لها بلا شك، كما كان حال العرب القدامى معها، ولذلك ارتقت بهم قبل أن يرتقوا بها، وسطرت أسماء الشعراء والأدباء والنقاد بحبر من ذهب على خارطة التاريخ إلى يوم الدين..
اقرأ أيضًا اللغة العربية وعلاقتها بمجالات الحياة المختلفة
دعوة إلى تكثيف الجهود للنهوض بلغتنا من جديد
و لذلك ينبغي أن نتوجه بنداء صريح إلى المعلمين أولًا وندعوهم إلى تكثيف جهودهم للنهوض بلغتنا من جديد، إذ يتوجب عليهم في ظل هذه الأزمة دعوة المتعلمين إلى القراءة، وتمرينهم على استعمال لغتهم في التواصل اليومي داخل الحصص الدراسية وخارجها، ثم خلق مختلف الأنشطة المحفزة والحث على تعميق البحث في التراث القديم الحافل بالشعر والبلاغة لأجل تذوق فنياتها وجمالياتها.
وهي بالتأكيد دعوة مزدوجة إلى الشباب والمتعلمين والجيل الناشئ عامة بأن يقبلوا على لغتهم بجدية أكبر وينكبوا على القراءة، وينبغي لهم أن يعوا أنَّ اللغة تمثل الهوية الحضارية والثقافية للمجتمع والفرد..
بهذه الدعوة نستطيع في الأقل أن نَلفت الانتباه إلى أحد الموضوعات الأساسية في وقتنا الراهن الذي لم يلق حقه من الاهتمام والتدبر وإلا فإن هذا الهبوط الثقافي الذي نشهده في مجتمعاتنا سيدفع بنا إلى ما لا يحمد عقباه.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.