الأزمات في العالم كله وفي كل المجالات ترجع إلى سوء الإدارة، وعدم التنبؤ بالمشكلات، أو عدم توافر القيادات الإدارية القادرة على الخروج من الأزمات بأقل قدر من الخسائر. وفي البورصات العالمية يرتفع سهم الشركة المقيدة بها عند ظهور اسم رئيسها إذا كان له سمعة طيبة، وقدرة إدارية، ومواهب في احتواء الأزمات.
والعكس صحيح تمامًا، فقد ينخفض سعر السهم ويتدهور عندما يظهر اسم رئيس الشركة بلا موهبة إدارية، ولا كفاءة أو خبرة، وربما صعد في ظروف غير عادلة.
إدارة الشركة محطّ أنظار الجميع
حتى لو كانت الشركة ليست مقيدة في البورصة، فإن المتعاملين معها ينظرون إلى الإدارة في أي شركة، ويحددون أسلوبهم على صورة شخصية الإدارة الجديدة، وهل تتمتع بالكفاءة والخبرة أم أنها من الضعف الذي يمضي شهورًا أو سنوات تحصد أموالًا وأرباحًا مهما تراجع الأداء وتزايدت الخسائر.
ويوجد من يطرح قضية إعداد المديرين، وأعتقد أن هذا لا يجب أن يقتصر على الشركات، بل يمتد إلى جميع القطاعات، فالتدريب والإعداد هو السبيل لرفع كفاءة الأداء، سواء كان في المجال الاقتصادي أو السياسي.
نحتاج إلى مدرسة وطنية للإدارة على غرار المدرسة الوطنية التي تدفع بالقيادات إلى جميع المجالات، ولها سمعة طيبة، ويجري اختيار القيادات بمعايير موضوعية، وعليهم اجتياز تدريب شاق ومتميز على مدى عامين.
وتختلف الأسماء في بلاد أخرى، ولكن هل يوجد لدينا مدرسة للقيادات؟ وما التدريب المتاح لهم؟ وفي اليابان، على سبيل المثال، يخضع الجميع للتدريب، من أصغر موظف وعامل حتى رئيس مجلس الإدارة نفسه، مهما كانت كفاءته وخبرته. هذا في اليابان يحدث، فماذا يحدث عندنا؟
وهذه رسالتي، أشرح فيها محنة الإدارة في مصر والوطن العربي، وما يحيط بها، وما تحتاج إليه من مراجعة لتحقيق العدالة والإنصاف وحسن الاختيار.
ظواهر سلبية في الإدارة
إن استمرار بعض القيادات في مواقعها بعد بلوغها السن القانونية للمعاش ظاهرة سلبية في نظامنا الإداري، ولئن حُوصرت هذه الظاهرة أخيرًا، لكنها ما زالت موجودة، ولعلَّ ما جاء بالتساؤلات مثال على ذلك. وتستطيع القول إنه استثناء نادر، ولكن يمكن قبوله متى توفر في أصحابها شروط ندرة التخصص، وعدم توافر البديل، وحاجة العمل الماسة إلى تخصصهم النادر. وفي غير ذلك، لا مكان لهذا القبول.
وفي الواقع، فإن هذه الظاهرة السلبية لها جذور عميقة في البنيان الإداري؛ لأن بعض القيادات الفاشلة لا يهمها إلا تحقيق مصلحتها الشخصية دون التفات إلى أي حسابات عامة، لذا تلجأ هذه القيادات الفاشلة إلى الأخذ بفكرة "أهل الثقة" لا "أهل الكفاءة"، ولا يتورع هؤلاء في خرق القانون والتحايل لاستغلال ثغراته لتمكين أهل الثقة من اعتلاء مراكز القيادة في القطاعات التابعة لهم.
وعلة العشق لأهل الثقة هي ضمان ولاء مرؤوسيهم لهم، وسهولة التستر على أي فساد أو سلبيات في نطاق أعمالهم، وضمان الاستئثار بالنفوذ وأي مكاسب.
وعلى جانب آخر، لا يمكن القول بأن توجد جهودًا ملحوظة لإعداد كوادر إدارية شابة عن طريق برامج تدريبية تُنفذ بالاستعانة ببعض الأساتذة والمراكز التخصصية في مقابل أجر مالي. غير أن هذه البرامج محل نقد، فكثيرًا ما تتدخل الحسابات الشخصية في اختيار المرشحين لهذه البرامج، وبالأخص تلك التي تتعلق بالمواقع المهمة والحساسة، كما تُعقد أحيانًا هذه البرامج بعد تمكين المرشحين من اعتلاء المواقع القيادية.
فضلًا على أن القائمين على تنفيذ هذه البرامج يهتمون أحيانًا بكم الناجحين لا بنوعيتهم، للحصول على عائد مالي أفضل، ومن ثم فإن خريجي هذه البرامج يفتقدون كثيرًا من المؤهلات للقول بكفاءتهم الإدارية.
وعلى كل ما تقدم، فإن المتصور عقلًا أن القيادة المسنة يشوبها عيب عدم القدرة على تجديد العطاء وتقبل تطورات العصر، ويكفيها الانشغال برضاء قيادتها الأعلى، ثم إن القيادة الشابة قد يلفها ضباب الغرور، فتنعزل عن خبرة الرواد. وفي كلتا الحالتين، الخاسر هو المصلحة العامة.
ولعلَّ ما يجري حولنا من أزمات متلاحقة اقتصادية واجتماعية وسياسية يدفعنا إلى الاهتمام بالإدارة، ومن هؤلاء المديرين يمكن أن تتكون فرق عمل لإدارة الأزمات في مختلف المجالات، وليس عيبًا حدوث الأزمات، ولكن العيب هو العجز عن علاجها أو تركها تتفاقم وتتضخم على حساب المجتمع.
إن الوطن ليس ملكًا لجيل من الأجيال، بل هو ملك للأجيال الماضية والمستقبلية.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.