أرض النيلين.. جولة مذهلة في تاريخ السودان

جمهورية السودان تتميز بتاريخ عريق ومذهل، فالسودان موطن لحضارات كبرى مثل حضارة وإمبراطورية كوش. في هذا المقال سآخذك في رحلة عبر التاريخ لتتعرف على حقائق مذهلة وممتعة عن تاريخ السودان العريق.

أين تقع السودان؟

لا أظن أن أحدهم لا يعرف أين تقع السودان، خصوصًا مع هذه الأحداث، لكن دعنا نسترجع موقع السودان معًا:

  • السودان تقع في شمال شرق أفريقيا وتُعد من مناطق الشرق الأوسط.
  • للسودان حدود مع مصر، وليبيا، ومالي، وإريتريا، وإثيوبيا، وجنوب السودان، وإفريقيا الوسطى.
  • للسودان ساحل على البحر الأحمر من ناحية الشرق.
  • تصل مساحة السودان إلى 1,861,484 كيلومترًا، وقد كانت السودان أكبر بلد في أفريقيا قبل الانقسام إلى السودان وجنوب السودان في سنة 2011.

مميزات السودان، البعض ستتعرف عليها لتوك

تمتاز جمهورية السودان بعدة مقومات طبيعية ساعدت شعبها على الاستقرار والتقدم، منها:

الموقع الاستراتيجي

الذي يربط الشرق الأوسط بأفريقيا، وهذا الموقع هو ما جعلها خطًّا للتجارة في الحضارات القديمة.

النيلان والموارد المائية

في السودان يوجد نهر النيل، وينقسم إلى نهرين أساسيين: النيل الأزرق والنيل الأبيض، وتوجد عدد من التفرعات المائية والأنهار الصغيرة والموسمية. النيل الأبيض ينبع من بحيرة فيكتوريا، والنيل الأزرق ينبع من إثيوبيا، يلتقي النيلان في المقرن في عاصمة السودان الخرطوم، ثم يكمل كنهر النيل إلى أن يصب في البحر الأبيض المتوسط مرورًا بجمهورية مصر العربية.

التقاء النيل الأزرق بالأبيض

ملتقى النيلين في الخرطوم - المقرن

الأهرام

يوجد ما يقارب مئتي هرم في شمال السودان، تعود هذه الأهرامات إلى المملكة الكوشية. أهرام مروي من أشهر الأهرام في السودان، إذ إن مروي كانت عاصمة لمملكة كوش، وبجانب أهرام مروي، توجد أهرام عدة تتوزع في بلاد النوبة شمال السودان، وأهرام السودان تختلف عن نظيرتها في مصر؛ فالأهرام السودانية أصغر حجمًا وأكثر عددًا.

 الأهرامات السودانية

أهرامات مروي في السودان

التربة الخصبة

السودان بلد زراعي بامتياز، إذ يمتلك أكثر تربة صالحة للزراعة في العالم بأسره، للدرجة التي جعلته يُسمَّى بسلة غذاء العالم! احتضن السودان أكبر مشروع زراعي في إفريقيا والشرق الأوسط، مشروع الجزيرة، ولكن بسبب التقلبات السياسية والتدخلات الخارجية، لم يكتمل المشروع وتم تخريبه.

التنوع الثقافي

هنا في السودان لدينا تنوع ثقافي مميز، ما بين القبائل العربية والقبائل الأفريقية وقبائل نشأت من كليهما. السودان هو مزيج بلد إفريقي عربي نوبي، وتوجد قبائل سودانية عدة في ربوع السودان، وبعض المناطق لديها لهجة خاصة بل لغة فريدة من نوعها.

ساحل البحر الأحمر

الذي ربط حضارات السودان بالعالم القديم، وكان ميناء سواكن من أكثر الموانئ النشيطة في منطقة الشرق الأوسط في زمن الحضارات القديمة مثل حضارة مجان، وحضرموت، والفراعنة المصريين وغيرهم.

ساحل البحر الأحمر

التنوع الجيولوجي

ما بين ساحل البحر إلى جوار النيل إلى جبل مرة، ثم جبل توتيل، والقليل من الصحراء الكبرى، والغابات الكثيفة. حقًا، في السودان يوجد تنوع جيولوجي فريد من نوعه!

الطبيعة السياحية المبهرة

يوجد في السودان طبيعة خلابة وساحرة، أراضٍ شاسعة خضراء وجبال متنية. السودان لديه إمكانية استغلال المناطق الطبيعية للسياحة، ولكن لا يزال هذا القطاع مهجورًا.

انتشار العلم في السودان

السودان أنتج عقولًا باهرة أحدثت طفرة في التاريخ، فمثلًا، أول طبيب نفسي في أفريقيا هو الطبيب التجاني الماحي.

السودان بلد شبابي بامتياز

توجد موارد بشرية متمكنة ومتعلمة، إذا استغلت هذه الميزة الشبابية بصورة جدية، أستطيع أن أؤكد أن السودان ستعود لإنتاج عباقرة يغيرون العالم من حولنا!

السودان عبر التاريخ

جولة في تاريخ السودان ومراحل تطورها كالتالي:

ما قبل التاريخ

عاش الإنسان القديم في أرض السودان منذ ما يقارب 8000 ق.م أو أقدم، وقد وجد علماء الآثار حفريات تُظهر وجود تجمعات سكنية في السودان، وقد عُثر على أدوات فخارية تعود للعصر الحجري وما قبله. توجد نظريات أجنبية عدة تقول إن السودان وإثيوبيا أول أرض احتضنت البشرية! لا تزال الدراسات مستمرة، ومع تطور العلوم والتكنولوجيا، نستطيع أن نعرف التاريخ القديم بأدلة مادية.

حضارة كرمة (2500 ق.م إلى 1500 ق.م)

أول حضارة في منطقة شمال السودان بجوار نهر النيل كانت حضارة تاسيتي Ta-Seti، وكانت الممهدة لحضارة كرمة. ثم قامت مملكة كرمة في كرمة، التي هي حاليًّا مدينة كريمة شمال السودان.

مملكة كرمة كان لها علاقات تجارية مزدهرة مع الحضارة المصرية القديمة في أوقات السلم، بالطبع. أما في سنين الحرب مع الحضارة الفرعونية المصرية، فقد كانت توجد اضطرابات عسكرية بين الحضارتين، إلى أن انتهت بغزوها من قبل الفرعون المصري تحتمس الأول.

 حضارة كرمة في السودان

مملكة كوش (1070 ق.م إلى 350 م)

أشهر حضارة سودانية في التاريخ القديم، كانت مملكة كوش مركزها في نبتة، ولكن في عام 591 ق.م استقرت العاصمة في مروي وازدهرت. مملكة كوش كانت من أقوى الممالك في إفريقيا، إذ إن الكوشيين حكموا مصر في القرن الثامن قبل الميلاد، وكانت الأسرة الحاكمة الخامسة والعشرون، وأُطلق عليهم في كتب التاريخ الفراعنة السود. انتهت مملكة كوش في سنة 350 م، بعد ما احتلتها مملكة أكسوم Aksum Kingdom التي كان مركزها في إريتريا.

الممالك النوبية المسيحية

تتابعت عدة ممالك مسيحية على السودان كالتالي:

مملكة نوباتيا (400 م إلى القرن السابع الميلادي)

مملكة نوباتيا كانت تقع بين مدينتي دنقلا وفرس في شمال السودان، وكانت مملكة مسيحية لها دور كبير في انتشار المسيحية في شمال السودان، وكانت عاصمتها فرس. سقطت مملكة نوباتيا المسيحية عندما انتشر الإسلام والعرب في المنطقة، وانضمت لجارتها مملكة المقرة.

مملكة نوباتيا

مملكة المقرة (القرن السادس الميلادي إلى القرن الرابع عشر الميلادي)

مملكة المقرة المسيحية كانت عاصمتها دنقلا، وعلى عكس جارتها مملكة نوباتيا، استطاعت مملكة المقرة التصدي لانتشار الإسلام والعرب، وحافظت على هويتها كمملكة مسيحية. عقدت المقرة اتفاق سلام بينها وبين المسلمين، وهو ما يُعرف بـ اتفاق البقط في سنة 652 ميلادي. وكمعظم ممالك السودان، اشتهرت بالزراعة والبناء، وبالتحديد ببناء الكنائس والأديرة.

مملكة علوة (القرن السادس الميلادي إلى القرن الخامس عشر الميلادي)

مملكة علوة من الممالك المسيحية الثلاث، كان مقرها في وسط السودان، وبالتحديد مدينة سوبا التي تقع الآن بالقرب من الخرطوم، عاصمة السودان. عاصمتها سوبا التي تقع قريبًا من مقرن النيلين، كانت عاصمة مكتظة ومليئة بالحياة والتجارة. كانت لها علاقات قوية، وأحيانًا متوترة، مع جارتَيها المقرة ونوباتيا. سقطت علوة في القرن الرابع عشر أو الخامس عشر نتيجة للضعف الداخلي في المملكة، والأهم انتشار الإسلام. إلى يومنا هذا، توجد آثار وبقايا لمملكة علوة في مدينة سوبا.

الممالك الإسلامية

وهي بداية العصر الإسلامي في السودان، وتتمثل في:

مملكة الفونج أو سلطنة سنار (1504–1821 م)

احتاج وسط السودان إلى قادة بعد انهيار مملكة علوة وتشتتها وظهور النزاعات القبلية، فكانت مملكة الفونج الوسيلة الوحيدة لإعادة النظام في المنطقة. عُرفت مملكة الفونج بعدة أسماء أخرى، منها سلطنة سنار والسلطنة الزرقاء. قامت مملكة الفونج في مدينة سنار، بالقرب من النيل الأزرق وجبل مويا، واشتهرت بالنمو الاقتصادي غير المسبوق والتجارة النشطة. في النهاية، ضعفت مملكة الفونج، وفي سنة 1821 م استسلمت للقوات العثمانية وأصبحت جزءًا من نفوذها.

سلطنة دارفور (القرن السابع عشر إلى 1916 م)

قامت في منطقة دارفور حضارات وممالك عدة، وأهمها سلطنة دارفور التي ظهرت في عام 1603 من قبل الأسرة الحاكمة كيرا في دارفور.

سلطنة دارفور

توسعت سلطنة دارفور تدريجيًّا، لتصل إلى أقصى مدى لها في مرحلة حكم القائد عبدالرحمن. كان للسلطنة عدة مراكز في فترات مختلفة، منها الكرو، ومدينة الأبيض، ومدينة الفاشر. انتهت سلطنة دارفور باحتلالها من قبل الإنجليز في عام 1916 م.

التاريخ الحديث

نظرة على السودان في العصور الحديثة منها:

الحكم التركي المصري (1820 - 1885 م)

في عام 1821 ميلادي، تدخلت قوات عسكرية بقيادة إبراهيم محمد علي بأمر من محمد علي باشا، وجرى احتلال السودان. في ذلك الوقت، كان محمد علي يحكم مصر، وبذلك أصبحت السودان جزءًا من مصر التي كانت بحد ذاتها تحت قيادة العثماني محمد علي باشا. تغلبت قوات إبراهيم على سلطنة دارفور وبقية مراكز الحكم في السودان، وأصبحت السودان تحت الحكم التركي المصري. لكن السودان لم يزدهر اقتصاديًّا، بل استنزفت كل موارده لمصلحة الطغاة والمحتلين. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل كانت تجارة الرق سائدة في ذلك الوقت، ظلمٌ فوق ظلم.

السودان تحت الحكم التركي المصري

في منتصف القرن التاسع عشر، طمع إسماعيل باشا، حفيد محمد علي، بمزيد، ما أدى إلى اضطرابات في الحكم، وكانت سببًا رئيسًا في ظهور مقاومة سودانية بقيادة محمد أحمد الذي قيل إنه ادَّعى أنه المهدي!

الدولة المهدية (1881-1898 م)

محمد أحمد، قائد سوداني، ظهر كمخلِّص للسودانيين من الاستبداد والظلم الأجنبي. المصادر الغربية صورته كإنسان ادَّعى المهدية وكحاكم ظالم، لكن -كما قلت- هذه مصادر غربية ترى أي حكم إسلامي كاضطهاد. في سنة 1885 م، بدأت الدولة المهدية، وكانت عاصمتها الخرطوم في وسط السودان.

على الرغم من ادعائه الكاذب بأنه المهدي المنتظر، فإنه كان إلهامًا للمقاومة السودانية للنهوض والمطالبة بالاستقلالية ومحاربة الحكم التركي. اللحظة التي انقلبت فيها موازين القوى في السودان كانت عام 1885، عندما جرى استعادة الخرطوم، وقُتل الجنرال تشارلز غوردون الحاكم الإنجليزي المصري للسودان.

الدولة المهدية كانت دولة إسلامية متشددة، إذ أسس محمد أحمد محاكم تطبق الأحكام الإسلامية. مات محمد أحمد بعد سبع سنين من حكمه، واستلم خليفته الحكم. انتهت المهدية بصراع دموي مع الإنجليز، وبالتحديد قوات كتشنر.

في سنة 1898، حدثت معركة أم درمان الشهيرة، إذ هُزم المحاربون السودانيون الشرفاء، وانتصر الإنجليز بأسلحتهم الثقيلة وسفنهم الحربية في نهر النيل، انتقامًا لمقتل غوردون!

الحكم الإنجليزي-المصري (1899-1955)

بعد الصراع ومعركة أم درمان الدموية، بدأ الحكم الإنجليزي في السودان. اتفق الإنجليز والمصريون على تقاسم الحكم في السودان، وعلى الرغم من ذلك، فإن حكم مصر كان على الورق فقط، واحتكرت بريطانيا السودان؛ فكانت الإدارة والجيش إنجليزيين لا مصريين.

تصرف الإنجليز بذكاء دبلوماسي، إذ شاركوا في الإدارة مع قادة محليين سودانيين بنيَّة تهدئة الشعب السوداني الثائر، وكان هذا تكتيكًا ذكيًّا عزَّز رضا الشعب السوداني ولو بالقليل.

وعلى عكس المتوقع، ازدهرت السودان في عصر الإنجليز؛ فقد اهتم الإنجليز بالزراعة، وإنشاء سكك حديدية، وتنمية الاقتصاد السوداني. وحتى حدثت تغييرات في الثقافة السودانية، إذ أُضيفت لمسة غربية للمجتمع السوداني حينذاك.

على الرغم من أن السودان بدا مزدهرًا في ظاهره، فإنه شهد فتنة داخلية، فتنة تسببت في انقسام السودان بعد قرنين من الزمن!

الاستقلال (1956 إلى يومنا هذا)

ظهرت حركات وطنية تطالب باستقلال السودان وديًّا، وما ساعد هذه الحركات على فرض رأيها الحرب العالمية الثانية. بعد الحرب العالمية الثانية، استطاع السودانيون الحصول على الاستقلال في عام 1956م باتفاق، وأخيرًا عاد السودان للسودانيين. أول رئيس وزراء سوداني هو إسماعيل الأزهري.

إسماعيل الأزهري أول رئيس وزراء سوداني

منذ عام 1956 إلى يومنا هذا، السودان بلد مستقل، يزدهر أحيانًا، ويسقط أحيانًا أخرى، ولكن الأهم أنه للسودانيين.

كانت هذه رحلة قصيرة في تاريخ السودان، وربما اختصرت الطريق قليلًا، فتاريخ السودان لا تنصفه ألف كلمة أو ألفان، بل يحتاج إلى مجلدات ضخمة. أناشد كل سوداني أن يفتخر ببلده، وأن يكتب التاريخ لكي لا ينساه العالم.

 المصادر

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة