مثلما يحتاج الطفل إلى الطعام والعلاج والرعاية البدنية، فإنه يحتاج إلى التعليم واكتساب المهارات، كما يحتاج أيضًا إلى إشباع جانب الخيال والجمال الذي لا يتحقق إلا بواسطة الأدب. وبذلك، فإن أدب الطفل ليس ترفًا أو شيئًا يمكن الاستغناء عنه في مرحلة الطفولة، وإنما هو ضرورة لبناء شخصية سوية واكتساب عدد من المهارات ورفع مستوى التفكير والخيال والقدرة على الإبداع، إضافة إلى إكساب الطفل عدد من السلوكيات الصحيحة التي قد يصعب إجبار الطفل عليها بطريقة مباشرة.
وفي هذا المقال نوضح ما أدب الطفل، وما سماته الأساسية، ولماذا يجب أن نهتم بأدب الطفل ونحرص على تقديمه لأطفالنا وجبة رئيسة في مرحلة الطفولة، إضافة إلى عرض بعض النماذج من أدب الطفل العالمية والعربية.
تعريف أدب الطفل
على الرغم من سهولة الأمر وبساطة التعريف الذي يشمل كل أنواع الأدب التي يمكن توجيهها للطفل بحيث تتناسب مع لغته وثقافته والمرحلة العمرية الخاصة به، لكن توجد إشكالية كبيرة في تعريف أدب الطفل كونه مصطلحًا؛ فيشير بعض الكُتَّاب والنُقَّاد إلى أن كل ما يُوجَّه للطفل يمكن اعتباره ضمن أدب الطفل، في حين يرفض آخرون هذا التعريف ويفرضون شروطًا على المواد التي تدخل ضمن نطاق أدب الطفل.
ثم إن عدد من الأعمال التي صُنِّفت ضمن أدب الطفل قد نالت إعجاب البالغين ولاقت نجاحًا كبيرًا لدى فئات عمرية مختلفة، مثل سلسلة (هاري بوتر) التي انتشرت على مستوى العالم بين الكبار والصغار، مع أنَّها كُتِبت لفئة اليافعين وتُعدُّ من أدب الطفل.
كذلك يوجد اختلاف كبير فيما إذا كانت الكتب المصورة يمكن عدُّها جزءًا من أدب الطفل؛ فلا خلاف على نجاحها وانتشارها في كل مكان في العالم، لكن كثيرًا منها لا يستوفي المعايير الأدبية. فهل يمكن أن نطلق عليها مصطلح أدب الطفل؟
اقرأ أيضاً مسابقة القصة القصيرة من Parsec بجوائز نقدية
أنواع أدب الطفل
على مستوى الأنواع الأدبية، نستطيع أن نقول إن كل الأنماط التي تلتزم بالمقاييس الأدبية تستطيع أن تدخل ضمن نطاق أدب الطفل إذا كانت تراعي بعض الأمور، مثل اللغة التي يستخدمها الطفل والمرحلة العمرية التي تُشير بدورها إلى مجموعة القدرات العقلية والمدارك والقدرة على التفاعل مع المنتج الأدبي. وهذا أمر قد يختلف من بيئة إلى أخرى.
تُعدُّ القصص والمسرحيات والروايات والأشعار هي أكثر أنواع أدب الطفل انتشارًا وقابلية لدى الأطفال التي يمكن أن تلاقي نجاحًا كبيرًا أيضًا لدى الكبار، لا سيما تلك الأعمال التي تُوجَّه للمرحلة العمرية ما فوق عشرة أعوام. وبذلك، قد يكون كُتَّاب أدب الطفل ملزمين إلى حد ما بتحديد الفئة العمرية التي توجه الأعمال إليها.
مراحل تطور أدب الطفل
يُقسَّم تاريخ ومراحل تطور أدب الطفل إلى مراحل عدة، لكننا نُفضِّل أن نقدمها في أربع مراحل رئيسة من أجل تبسيط فكرة تطور أدب الطفل منذ بداية ظهوره حتى الآن.
المرحلة الأولى
بدأت المرحلة الأولى مع بداية فكرة الحكي والسرد البسيط، وهو ما يُعدُّ أول أشكال أدب الطفل، إذ كان الآباء والأمهات والجدات يتناقلون الحكايات الشعبية والقصص التي تُسرَد للأطفال بمختلف أعمارهم بغرض التسلية والمرح والمكافأة، وكذلك بغرض التربية وإكساب الأطفال بعض الصفات الحميدة. ولم تخلُ هذه المرحلة من الخيال، فقد ظهرت كثير من الحكايات عن كائنات أسطورية وعوالم أخرى، وربما سُجِلت عدد من هذه الحكايات الشعبية بعد ذلك.
المرحلة الثانية
تبدأ المرحلة الثانية في القرن الثامن عشر، إذ بدأت كتابات الشعراء والكتاب الفرنسيين، لا سيما كتاب "حكايات أمي الأوزة" الذي صدر عن الشاعر الفرنسي تشارلز بيرو في بداية القرن الثامن عشر. وقد كُتِب خصيصًا للأطفال وانتشر كثيرًا في أنحاء أوروبا، وقدم عددًا من القصص القديمة التي كانت تسرد للأطفال في القارة الأوروبية على مدار أكثر من 300 عام.
المرحلة الثالثة
تأتي المرحلة الثالثة عقب الحرب العالمية الأولى، فقد جرى الاهتمام بالطفل على نحو علمي، وظهرت عدد من الكتابات التي تقوم على دراسة نفسية الطفل وسلوكياته واحتياجاته، إضافة إلى ظهور مدارس التربية المختلفة. وهو ما تطلب ظهور أدب الطفل بصفته نمطًا أدبيًّا منفصلًا، وصدرت عدد من الكتب والروايات والمجموعات القصصية والمسرحيات والأشعار التي تستهدف الأطفال دون البالغين.
المرحلة الرابعة
تُعدُّ هذه المرحلة التي بدأت بعد الحرب العالمية الثانية، هي المرحلة الذهبية لأدب الطفل، حيث الاهتمام العالمي بأدب الطفل الذي تجلى في ظهور المجلات والكتب والدوريات وسلاسل النشر والأفلام والمسرحيات ودواوين الشعر، إضافة إلى ظهور كثير من النُقَّاد الذين بدؤوا في تناول أدب الطفل نمطًا من الأنماط الأدبية، وبذلك ظهر عدد من القواعد والنظريات الخاصة بالأدب الجديد.
ومنذ الحرب العالمية الثانية حتى الآن، يظل أدب الطفل في تمدد وتوسع وتغير وتطور مستمر بسبب التغيرات العالمية الكبيرة وظهور وسائل الاتصال والإنترنت والتكنولوجيا العالية التي ساعدت على زيادة التراكم المعرفي لدى الأطفال، وهو ما دفع الكُتَّاب والمبدعين في أدب الطفل إلى الارتقاء بالمنتج الأدبي إلى أقصى درجة.
أدب الطفل العربي
مع أنَّ أدب الطفل قد بدأ يأخذ شكله كأحد روافد الأدب في أوروبا بين القرن السابع عشر والقرن الثامن عشر، لكن العالم العربي جاء متأخرًا فيما يخص أدب الطفل. فقد ظهرت بعض البوادر في أشعار أحمد شوقي الذي قدم مجموعة من القصائد الموجهة للأطفال في نهاية القرن التاسع عشر مثل قصيدة (الصياد والعصفورة) وقصيدة (الدجاج البلدي) وقصيدة (الديك الهندي).
ومع أنَّ التراث العربي مملوء بالحكايات والقصص المخصصة للأطفال، لكن المشهد العربي احتاج إلى مزيد من الوقت حتى تظهر بعض الأسماء المميزة في أدب الطفل.
وفي النصف الأول من القرن الـ20، ظهر كامل الكيلاني، أحد الأسماء الكبيرة والمعروفة في أدب الطفل الذي نهل من التراث العربي والتراث العالمي وقدَّم أدبًا راقيًا للطفل، بدأه بقصته التي لاقت نجاحًا كبيرًا (السندباد البحري) التي نُشِرت عام 1927. ثم جاء بعده أحمد نجيب، ثم علي الحديدي، وكذلك الكاتب السوري سليمان العيسى، والكاتب العراقي جعفر الصادق.
سمات أدب الطفل
مع أنَّ أدب الطفل يُعنَى ويهتم بمرحلة عمرية معينة، لكنه يتسم بكل الخصائص الفنية والإبداعية والجمالية التي تميز الأدب بوجه عام. فأي منتج لا يلتزم بالشروط والقيم الإبداعية لا يمكن أبدًا أن يُطلَق عليه مصطلح أدب الطفل، وقد ينتمي لأي صنف آخر.
يتميَّز أدب الطفل بكونه منتجًا تربويًّا حتى ولو لم يكن هدفه الرئيس هو النصح والإرشاد والتربية، إذ يجب أن يلتزم بعدد من القيم والقواعد التربوية التي تحكم مضمون العمل الأدبي التي تراعي مرحلة التكوين والنشأة عند الأطفال، بعكس أدب البالغين الذي قد يستوعب بعض الأمور من منطلق الحرية والإبداع.
أدب الطفل في المقام الأول هو أدب تفاعلي يستهدف زيادة مهارات الطفل ودفعه إلى التفكير والخيال والمشاركة واستخدام حواسه وملكاته، وليس فقط منتجًا للترفيه المجاني.
يتوافق أدب الطفل مع لغة الأطفال وثقافتهم المجتمعية وخصائص المرحلة العمرية، بما في ذلك الرموز والدلالات والمعاني، ويراعي الروابط والعلاقات والمفاهيم.
نماذج من أدب الطفل العالمي
أليس في بلاد العجائب
تُعدُّ مجموعة مغامرات "أليس في بلاد العجائب" التي كُتِبت على شكل رواية عام 1865 على يد عالم الرياضيات والكاتب الإنجليزي تشارلز دودسون الذي كتبها تحت اسم مستعار (لويس كارول)، من أشهر كتب أدب الأطفال التي انتشرت في القرنين الماضيين التي حولت بعد ذلك إلى عدد من الأعمال الفنية. وتقوم الرواية على فتاة تُدعى أليس التي تدخل إلى عالم خيالي يتناقض مع المنطق في مغامرات ممتعة ومسلية جدًّا.
مغامرات الدمية بينوكيو
قد لا تجد طفلًا في العالم لا يعرف بينوكيو، تلك الشخصية الشهيرة التي ظهرت أول مرة عام 1833 في رواية الكاتب الإيطالي كارلو كولودي (مغامرات الدمية بينوكيو) التي تُرجمت إلى عدد من اللغات ولاقت نجاحًا وانتشارًا كبيرًا، وأنتجت في مسلسلات وأفلام للصغار والكبار. وتدور القصة عن المجسم المتحرك الذي يتحول إلى طفل لرجل فقير يعمل نجارًا، وهي القصة التي تتطورها بعد ذلك في عدد من الأعمال الأدبية والفنية.
كتاب الأدغال
لا يمكن الحديث عن أدب الطفل دون ذكر أحد أشهر الأعمال العالمية التي انتشرت في جميع أرجاء العالم، وأعيد نشرها وترجمتها عشرات المرات، وتحولت إلى عدد من المسلسلات والأفلام، وهي رواية (كتاب الأدغال) للكاتب الإنجليزي روديارد كبلينغ التي نُشرت أول مرة عام 1894. تتحدث الرواية عن طفل يُدعى موكلي عاش طفولته في الأدغال بين الحيوانات، وأصبح واحدًا منهم ليخوض مغامرة رائعة بعد ذلك مع الحيوانات والبشر.
نموذج من أدب الطفل العربي
السندباد البحري
تُعدُّ قصة السندباد البحري واحدة من أجمل وأشهر القصص والحكايات التي أفرزها أدب الطفل العربي التي نشرها الكاتب كامل كيلاني عام 1927. وهي مجموعة قصص علمية وتربوية وفكاهية للأطفال، تتحدث عن شخصية السندباد البحار الطيب والنبيل الذي يغوص بالمغامرات الخيالية ويحارب الكائنات الأسطورية في سبيل الخير.
وفي الختام، نرجو أن نكون قد نجحنا بواسطة هذا المقال في إيضاح الصورة فيما يخص أدب الطفل وتعريفه وسماته وأهميته، إضافة إلى تاريخه وبعض الأعمال التي حققت انتشارًا كبيرًا على الصعيد العربي والعالمي.
ويُسعدنا كثيرًا أن تُشاركنا رأيك في التعليقات، ومشاركة المقال على مواقع التواصل لتعم الفائدة على الجميع.
جوائز أدب الطفل
تعدّ جوائز أدب الطفل العربية محفّزًا مهمًا لتعزيز الإبداع الأدبي الموجّه للأطفال وتشجيع الكتّاب والرسامين على إنتاج محتوى ثقافي وتعليمي ممتع. تهدف هذه الجوائز إلى غرس القيم الإيجابية وتنمية الخيال لدى الأطفال عبر قصص ورسومات مبتكرة. من أبرز الجوائز العربية في هذا المجال "جائزة اتصالات لكتاب الطفل"، التي تُكرّم أفضل الكتب من حيث المحتوى والتصميم والرسوم. كما تسهم هذه الجوائز في دعم صناعة نشر كتب الأطفال، وتسليط الضوء على الأعمال المتميزة التي تعزز اللغة العربية وتناسب اهتمامات الأجيال الجديدة. تمثل هذه المبادرات خطوة مهمة لبناء مجتمع قارئ ومبدع.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.