أخيرًا.. وجدت نفسي

نتعامل في مسيرة حياتنا مع طيف واسع من الشخصيات وبمختلف الأخلاق، سواء في بيئة العمل أو في الدراسة أو حتى في محيطنا الأسري. وكثيرًا ما يخطر ببالي سؤال: هل الأجدر أن أُعامِل كل فرد بميزان أفكاره وأخلاقه أم أتمسك بمبادئي وأخلاقي في جميع الأحوال؟

في السابق، كنت أتعامل مع الناس بمبدأ أساسي وهو الحرص الشديد على ألا أتسبب في ضيق أو كسر خاطر أي شخص ألتقي به أو أتعامل معه، بصرف النظر عن سلوكه معي. لم أكن أستطيع أن أقول لأحد «أختلف معك في الرأي»، وهنا يبدأ الصراع الداخلي بين شخص يريد الحرية وإثبات الذات، وبين شخص ضعيف مستغل ممن حوله.

في نهاية المطاف، أصبحت شخصية باهتة يغلفها الحزن، لأنني سمحت لنفسي بالتنازل عن حقوقي مرات عدّة، خشية الدخول في نزاعات.

عند هذه النقطة، رسخ في ذهني اعتقاد بأنه من الضروري أن أعكس أخلاق كل فرد في تعاملي معه: اللين للّين، والمكر للماكر. إلى أن تيقنت أنني ارتكبت خطأ فادحًا في حق نفسي، فبدلًا من الابتعاد عن الشخصيات السلبية أو التعامل معها بحذر، تحولت أنا نفسي إلى شخص يحمل كل تلك الصفات السلبية بداخله. فوجدتني منافقًا، كاذبًا، قاسي القلب، مخادعًا، وغيرها من الصفات التي كنت أنفر منها.

ويا له من فخ خفي! فبدلًا من أن تحمينا هذه الطريقة من سلبيات الآخرين، فإنها -للأسف- تجرُّنا إلى مستنقع مظلم من الصفات التي نكرهها. وهنا صرخ شيء في داخلي: «من أنا؟».

وكنت أعلم جيدًا أن هذه الصفات ليست صفاتي، وأنني لن أستطيع أن أحيا بهذه الوجوه المزيفة. وحينئذ فعلًا وجدت نفسي.

وأدركت أخيرًا كيف أكون أنا: أستطيع أن أكون طيبًا دون المساس بكرامتي، وأن أكون جابرًا للخواطر دون منح الثقة المطلقة لكل عابر سبيل، وأن أكون صادقًا دون كشف أوراق حياتي للجميع.

كم هو رائع هذا الإدراك العميق الذي توصلت إليه في النهاية: أن نكون نحن بأخلاقنا وقيمنا مع الحفاظ على حدودنا وكرامتنا، أن نكون طيبين دون ضعف، متعاونين دون سذاجة، نتعامل مع الناس بأخلاقنا لا بأخلاقهم، حتى لا نكون مسخًا مجهول الهوية.

وهذا هو الانتصار الحقيقي الذي يمكن أن يحققه الإنسان في حياته.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

رائع جدا سلمت يداكى 🌹🌹🌹
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة
بقلم امجد احمد عطيه العجارمه
بقلم محمد ابراهيم عباده
بقلم سماح منذر حلاق
بقلم أمير رمضان إسماعيل
بقلم أمير رمضان إسماعيل
بقلم أمير رمضان إسماعيل