أخطاء تربوية يقع فيها الآباء والأمهات.. التدليل الزائد

تخيل أيها الأب وأيتها الأم أنه كلما يطلب منك طفلك الصغير طلبًا تستجيب له على الفور بغض النظر عن حاجته إليه من عدمه، هل يمكن تخيل أن هذا الطفل عندما يكبر يدرك قيمة الأِشياء التي بيده؟ يعرف ماذا تعني المسؤولية؟ هل يمكنه الاعتماد على نفسه ويستطيع اتخاذ القرار المناسب في المواقف المختلفة؟ أم سيكون بحاجة للعودة إلى الأب والأم ومعرفة القرار الذي يجب أن يأخذه!

في هذه المقالة نسلط الضوء على واحدة من الأخطاء الشائعة التي يقع فيها غالبية الآباء والأمهات في تربية الأبناء، ألا وهي التدليل الزائد وإجابة كل طلبات الطفل، وخطورة ذلك على شخصيته عندما يكبر وقدرته على الاعتماد على نفسه وتحمل المسؤولية في المواقف المختلفة.

ماذا يعني التدليل الزائد؟

التدليل الزائد أو الدلع كلاهما مفهومان يشيران إلى تلبية كل مطالب الطفل على الفور بغض النظر عن حاجته إليها من عدمه، فالهدف هنا هو إشباع رغبات الطفل الفورية وقتما يشاء وكيف شاء. ليس هذا فحسب، بل يعني أيضًا أنه عندما يرتكب الطفل سلوكًا غير مقبول، دون زجره أو نهيه عنه للتوقف عن هذا السلوك المرفوض أخلاقيًا واجتماعيًا ودينيًا.

من المعلوم، أن أسلوب الثواب والعقاب، هو أحد الأساليب التربوية المتعارفة في تربية الأبناء، فعندما يفعل الطفل سلوكًا مرغوبًا، نعززه ماديًّا أو معنويًا، والعكس صحيح، عندما يخطئ الطفل، يعقاب بالحرمان أو بأي أسلوب من أساليب العقاب الأخرى التي ليس من بينها الضرب.

أما في حالتنا هذه فإن الطفل المدلل لا يعرف ماذا يعني العقاب بالأساس، لأنه لم يجربه، فتكون النتيجة أن يتمادى في سلوكياته وتصرفاته الخاطئة التي قد تسبب له ولأسرته مشكلات عدة.

اقرأ أيضًا: 4 أفضل كتب تربية الأطفال

جيلنا وجيلهم

فما تربى عليه جيل الكبار من أمثالنا، عندما كنا صغارًا، أن ليس كل مرغوب أو مطلوب يمكن تحقيقه، فقد لا تسمح الظروف بتحقيق هذا الطلب الآن، سواء كانت ظروف مادية، أو أن الوقت غير مناسب، كأن يطلب الطفل شيئًا ما من السوبر ماركت في ساعة متأخرة من الليل، عندها نخبره أن الوقت غير مناسب، وأن ذلك يمكن تحقيقه في الصباح.

كذلك تربينا على أن هناك سلوكيات غير مقبولة ولا يمكننا فعلها لأن المجتمع من حولنا يرفضها ولا يقبل بها، كأن يعتدي بالقول أو الفعل على من هو أصغر منه، أو أن يأخذ شيئًا لا يخصه، أو يلقي بالقمامة والقاذورات في الشارع وغيرها من السلوكيات التي تربينا علي تجنبها.

أما الطفل الذي تربى على أن كل طلباته مجابة، حتى لو كانت لبن العصفور، فإن الأب والأم سيحضرانه، حتى لو في ساعة متأخرة من الليل، حتى وإن كلفهم ذلك الاستدانة من أجل تلبية مطلب طفلهما.

اقرأ أيضًا: ما معنى تربية النشء؟

التدليل الزائد والحب

إذا سألت أي أب أو أم ممن يدللون أطفالهم، لماذا تفعل ذلك؟ سيكون الجواب: لأنني أحبه. فهل بوجد تعارض بين التدليل الزائد والحب؟

حقيقة، الحب هو جوهر العلاقة بين الأب والأم من ناحية، والابن أو الابنة من ناحية أخرى، ودون حب لا يمكن تصور نجاح التربية، ولا يمكن تصور التربية عمومًا، إذ كيف يتقبل ابنك أو ابنتك كلامك دون أن يحبك؟ وإذا حدث وأطاعك لأنه لا يزال صغيرًا وبحاجة إليك وإلى رعايتك، فماذا تفعل عندما يصل مرحلة المراهقة، وقتها يمكنه الاعتماد على نفسه والاستقلال عنك؟

المطلوب من كل أب وأم إذن أن يحبا طفلهما، ليس هذا فحسب، فالحب يجب أن يكون في اتجاهين، بمعنى أن الحب عندما يكون من طرف واحد، فإن قدره الذبول والفتور، إذ يجب أن يحبك ابنك، وتحبك ابنتك، تطيعك وتسمع كلامك، حبًا وليس خوفًا عندها تصبح للتربية قيمة ومكانة.

اقرأ أيضًا: أسرار في تربية الأطفال لا يعلمها معظم الناس

التدليل الزائد.. مبررات واهية

أما التدليل الزائد فعلى النقيض تمامًا من ذلك، فهو يعني إخراج طفل اتكالي، غير قادر على الاعتماد على نفسه، يعتمد على أبويه في كل صغيرة وكبيرة، والسؤال هنا للآباء والأمهات: ماذا يحدث لا قدر الله إذا أصابكما مكروه، وقتها كيف تتخيلان وضع طفلكما في هذه الوضعية الصعبة؟

من يحب بصدق، يعلم ابنه أن ليس كل مرغوب يمكن تحقيقه لظروف قد تكون خارجة عن إرادتنا، من يحب بصدق يجعل ابنه يخوض التجربة بنفسه، حتى وإن أخطأ، فمن لا يخطئ لا يتعلم، وما نحن في النهاية إلا حصاد تجارب وخبرات مررنا بها عبر سنوات عدّة.

مبررات التدليل الزائد عدّة، فقد يقول قائل، إنه ابني الوحيد الذي خرجت به من الدنيا، أو أنه الابن الذكر على إخوته البنات، وغيرها من المبررات التي يبرر بها الآباء والأمهات تدليل أبناءهم بأسلوب مبالغ فيه، بدعوى الحب فتكون النتيجة تدمير شخصية طفلهم تمامًا.

اقرأ أيضًا: تربية الأطفال في ظل الذكاء الاصطناعي

التدليل الزائد يدمر شخصية طفلك

يقول الدكتور صالح عبد الكريم -استشاري التربية الخاصة- إن التدليل الزائد للأبناء من شأنه أن يدمر شخصيتهم ويجعله اعتماديًا على أبيه وأمه، ثم على مديره في العمل أو زوجته، وللأسف مثل هذه الشخصية قد تكون عرضة للإصابة بالاكتئاب، فضلًا على عدم القدرة على تحمل المسؤولية، ليس هذا فحسب، بل يصبح شخصًا أنانيًا لا يحب غير نفسه فقط، وهنا يقع في مشكلات عدة بسبب أنانيته ويفقد العديد من صداقاته وعلاقاته بالآخرين.

طبيعي جداً أن الحياة لا تعطينا كل ما نريد، تخيل أنت أيها الأب وأيتها الأم، عندما يتعرض ابنك لموقف يقال له (لا) عندها تقوم القائمة، كيف يقال لي لا، وأنا الذي تجاب كل مطالبه منذ أن أبصرت الحياة، فتكون النتيجة نوبات اكتئاب وأمراض نفسية.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة