أحلام محاصرة

«إن قضية الموت ليست على الإطلاق قضية الميت، إنها قضية الباقين» غسان كنفاني.

بماذا تحلمون؟ أنا كل ليلة أحلم بأبي. يزورني دومًا في أحلامي أبناء خالي الشهداء، أحلم بأنني في بيتنا، والجميع أحياء.

وجهت سؤالي إلى مجموعة أطفال، وأحزنتني الإجابة التي اتفقوا عليها، وإن اختلفت صياغتها.. آلمتني، ففيها هدفٌ للعدو يتحقق: كيف قيدوا معنى كلمة «حلم» ليفهمها الأطفال على أنها فقط الرؤى التي تراودهم ليلًا وهم نيام؟ تساءلت لحظتها عن ماهية الآلية التي يقيِّدون بها أحلامنا إن لم يقتلوها بقتلنا بالصواريخ.

فهمت من الكبار أن حلمهم محصور بالحياة.. بالنجاة.. بإكمال ما تبقى من أعمارهم بصفتهم ناجين. إجاباتهم منطقية، نفهم منها بأنهم سيلملمون أشلاء أحلامهم ويكملون.

إما الآن، فأنا أمام جريمة «قتل معنى كلمة»، وإنها لجريمة بشعة. منذ الصغر وأنا أعلم بأن الإنسان يموت عندما يفقد قدرته على الحلم، لا على التنفس.. ومنذ الصغر قالوا لي: «احلمِي، فهناك كوكب يتسع لأحلامك». كبرتُ، وصارت المجرة تتسع لأحلامي.

أما الآن، فالكوكب لا يسأل عن أحلام أطفالٍ بين الركام، قلقين، متوجسين، يتألمون، مسروقٌ منهم معنى كلمةٍ كانت كأداة للتنفيس، وحافز للاستمرار. وإن حلموا، فإن حلمهم محصور على صورة من أطلال الماضي، على رؤية الميت، ليبقى الطفل متقوقعًا في حزنه حتى يقتله.

تذكرت، بعد شرود، بأن قدرتي على التغيير لم تُسرق، فقلت لهم:

«أنا أقصد الأحلام... أمنياتنا. فأنا، وكلٌّ منا، له سماء أحلامٍ خاصة، يطلق فيها بالوناته الملوَّنة، ونجومًا لامعة تضيئها في الأوقات الحالكة. أنا أود أن أصبح صحفية، ماذا عنكم؟»...

لا مجيب.

أليس هذا هو السؤال الذي كنت أملك له كل يوم إجابة جديدة، وأجيب عنه بسرعة كأنه سؤال: «ما اسمكِ؟».

سألتهم على نحو مغاير: «ما البالون الأول الذي ستطلقه في سماء أحلامك الخاصة؟».

بعد ثوانٍ معدودة، توالت الإجابات: «طبيب كوالدي»، «صحفي مثلك»، «جندي في الجيش».

أطلقتُ زفير انتصار، وكأنني كنت أخوض معركة... انتصرتُ عليهم، ولم أسمح لهم أن ينجحوا في تحقيق هدفهم، ولو على ثلاثة. الآن، ألقيت بذرة في عقولهم، ستصبح في الغد شجرة تمتد أغصانها إلى الحقائق، ليفضحوكم.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.