كانت ليلة ممطرة تهبّ فيها الرّياح بقوّة وهي تمشّط الشوارع والأزقة وتكاد تقتلع الأشجار، البرد قارس يتوجس إلى داخل المنازل دون أن يطرق بابا ولا أن يستأذن أحدًا، لم أستطع خلالها النوم فقمت من سريري لأطل عبر نافذة الشرفة واستغيث ربي بالدعاء، وبينما أزحت نظري إلى الشارع لفت انتباهي شيء يلمع بعيدًا كان له بريق مميّز وملفت فأثار فضولي وسرح عقلي في إذا ما كانت جوهرة ثمينة أو ساعة ذهبيّة سقطت من أحد المارة وربما كانت قطعة زجاج لا غير ومن يدري...
لكن لم أستطع حبس عقلي في التّفكير فيها فعزمت أن أضع حدًا لهذه الأفكار المتكاثرة داخل رأسي وأن أخرج لأتبيّن هذا الشيء بسرعة وأعود، لكن حال بيني وبين ذلك المطر الذي أخذ يتساقط بغزارة فتراجعت عن فكرة الخروج تلك واكتفيت بالمراقبة من خلف النافذة، الشارع خالٍ لا شيء سوى أعمدة الإنارة وأضواء خافتة، كنت أشعر بالضجر إلى أن لمِحت رجلا مارّا في هذا الوقت المتأخر من الليل والأمطار خيط من السماء، فتّحت عيني جيدا أراقبه إذا ما كان سيرى ذلك الشيء، يبدو أنه رآه بالفعل وهو ينحني ليلتقطه، ظل جامدًا وهو منحنٍ، ما أمره؟ ثم وقف ويبدو أنه يتصل بالهاتف ولم يبارح المكان أبدا فزاد فضولي أكثر من ذي قبل، وكذلك أنا لازمت مكاني أراقبه إلى أن سمعت صوت سيارة الإسعاف ثم ظهرت أمام ناظري، كنت مستغربا ماذا يحدث هنا؟
خرج الجيران ليكتشفوا ما الأمر وكذلك أنا، ارتديت معطفي بسرعة وخرجت، أخذت بالاقتراب وقد كان يبدو من بعيد أنها جثة لامرأة، يا للهول... جثة! فلم يكن ذلك اللّمعان إلاّ أساورها الذهبية الذي نعكس عليه ذلك النّور الخافت والقادم من مصباح الشارع، وصلت إلى المكان والتفت إلى الجثة بينما كانوا يقومون بحملها فإذا بها زوجتي كانت صدمتي أقوى بكثير كيف هذا؟ مستحيل... صرخت بأعلى صوت وأنا أبكي حتى تجمع النّاس أكثر حولي وهم يتساءلون ما الذي يحدث؟ ومن تلك المرأة؟ هل هي ميتة؟
ركبتُ سيارة الإسعاف وكذلك الرجل الذي اكتشف الجثة فاتصل بهم، ونحن في الطريق سألني إذا ما كانت من أقاربي؟ فأجبته أنها زوجتي السابقة لكني لا أدري ما الذي أتى بها إلى هنا؟ أكانت تقصد بيتي؟ لماذا تقصده بعد طلاقنا مدة عامين؟ ما الأمر الذي دفعها إليّ؟ لم أفهم شيئًا ولا أجوبة لأسئلتي هاته.
Jan 24, 2022
كتابة رائعة تبشر بأديبة راقية إلى الأم موفقة.
Jan 24, 2022
إلى الأمام موفقة.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.