الأصل في المسؤوليّة المدنيّة العقديّة أنّه لا يعوّض إلا عن الضّرر المباشر المتوقّع، والضّرر المتوقّع هو الّذي يمكن توقّعه عادة وقت التّعاقد.
قد يهمك أيضًا
اكتشافات وابتكارات وأحداث علمية داخل الكوكب وخارجه .. عايشها البشر في ٢٠٢٢
التعويض عن الضرر
أمّا بالنّسبة للتّعويض عن الضّرر المباشر غير المتوقّع الّذي يتعلّق بأمور يستهدفها الدّائن ولم يفصح عنها للمدين، فلا يكون مستحقّ التّعويض عنها إلّا في حالتي ارتكاب المدين غشّاً أو خطأ جسيماً.
وقد نصّ على ذلك الحكم صراحة المقنّن اليمنيّ في القانون المدنيّ في المادّة (351) بقوله: "إذا كان الحقّ ناشئاً عن عقد فلا يحكم على الملتزم الّذي لم يرتكب غشّاً أو خطأ جسيماً إلّا بتعويض الضّرر الّذي يمكن توقّعه عادة وقت العقد).
وهذا الحكم لا يخرج عن مضمون ما قرّرته الفقرة الثّانية من المادّة (221) من القانون المدنيّ المصريّ الّتي نصّت على أنّه: "ومع ذلك إذا كان الالتزام مصدره العقد فلا يلتزم المدين الّذي لم يرتكب غشّاً أو خطأ جسيماً إلّا بتعويض الضّرر الّذي كان يمكن توقّعه عادة وقت التّعاقد.
فتلك النّصوص تقرّر أنّ المقنّن اليمنيّ والمصريّ قد أقرا بمبدأ تخفيف التّعويض بسبب عدم جسامة الخطأ، وذلك عن طريق استبعاد تعويض الضّرر غير المتوقّع عن عاتق المدين الّذي لم يرتكب غشّاً أو خطأ جسيماً في تنفيذ التزامه.
فالمتعاقد الّذي يتعمّد إلحاق الضّرر بالطّرف الآخر معه في العقد يجب أن يعامل بأشدّ ممّا يعامل به المتعاقد الّذي لم يقع منه الإخلال بالعقد على غير ذلك النّحو.
فإذا كان تقدير التّعويض من عمل القاضي فإنّ الخطأ الجسيم أو الغشّ الصّادر من جانب المدين أو المسؤول يجعل من شأنه إلزام القاضي بالتّحوّل عن معايير التّخفيف الّتي تؤدّي إلى عدالة التّعويض إلى معايير التّشديد الّتي تؤدّي إلى شخصيّة التّعويض من خلال منح التّعويض الكامل والرّادع، وتأثّر التّعويض القضائيّ بجسامة الخطأ في المسؤوليّة العقديّة.
قد يهمك أيضًا أسس يقوم عليها المعيار الموضوعي في تحديد جسامة الخطأ
الخطأ الجسيم في وجوب التعويض
وفي جميع الأحوال فسوء نيّة المدين أو عدم الاستقامة أو الإخلاص أو النّزاهة أو الأمانة في تنفيذه لما التزم به يتنافى مع مبدأ حسن النّيّة في تنفيذ العقد طبقاً لما اشتمل عليه، وبالتّالي يجب على القاضي أن يضع في اعتباره وزناً لنزاهة المدين في تنفيذ ما التزم به.
وبذلك تكون المسؤوليّة المدنيّة العقديّة في حالتي الغشّ والخطأ الجسيم في حال وجوب التّعويض عن كلّ الأضرار المتوقّعة وغير المتوقّعة عادة عند التّعاقد مستندة إلى فكرة الذّنب واللّوم الأدبيّ باستبدال التّعويض الكامل بالتّعويض العادل.
وبذلك يصبح التّعويض في حالتي الغشّ والخطأ الجسيم جامعاً لوظيفتين إصلاحيّة ورادعة، والرّادعة تسمح بردع المدين بالوسيلة الوحيدة الممكنة وهي تحميله التّعويض الكامل، وهو تعويضٌ ما كان ليلتزم به لو أنّ خطأه كان يسيراً.
وبهذا نصل إلى القول بأنّ المقنّن اليمنيّ والمصريّ قد استندوا إلى فكرة عدالة التّعويض من خلال استبعاد التّعويض عن الضّرر غير المتوقّع عن عاتق المدين الّذي لم يرتكب غشّاً أو خطأ جسيماً في تنفيذ التزامه.
وفي ذلك اعتراف من القانون بقاعدة الارتباط بين مدى التّعويض ومدى جسامة الخطأ، لأنّه أقرّ بمبدأ تخفيف التّعويض بسبب عدم جسامة الخطأ، وهذا ما يتوافق مع أحكام المسؤوليّة المدنيّة العقديّة.
قد يهمك أيضًا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.