المماليك مجموعات من العبيد أتوا من شرق وأواسط آسيا على مراحل متباعدة عبر قرون عدة، استقروا في مصر والشام. وشاءت الأقدار أن يكون لهم دور بارز في التاريخ المصري والتاريخ الإسلامي عمومًا. وقد تناولنا سابقًا الفرق بين المماليك البحرية والمماليك البرجية، وسوف نتناول في هذا المقال تأثيرهم في تطور العلوم والفنون. فهل منعتهم طبيعتهم العسكرية من الاهتمام بالقوة الناعمة؟
واقعيًّا لا، فقد احتضن المماليك كثيرًا من العلماء والفنانين والأدباء، وتطور الأدب والفنون بكل أنواعها في عهدهم الذي امتد إلى قرنين ونصف القرن من الزمان، قبل أن تحل الدولة العثمانية محلهم. فقد أدرك المماليك أن لديهم الفرصة في بناء حضارة كاملة متكاملة. وقد نجحوا في هذا الأمر فعلًا.
كيف أثَّر المماليك في تطور العلوم والفنون؟
حظيت العلوم والفنون باهتمام غير عادي، وخلفت آثارًا تعيش إلى يومنا هذا من بداية المماليك حتى نهاية عهدهم. وفي السطور التالية سوف نتحدث عن أثر المماليك في تطور العلوم.
كيف أثّر المماليك في تطور العلوم؟
أسس المماليك كثيرًا من المدارس والمراكز التعليمية التي اهتمت بتدريس علوم الفلك والطب والفلك، وتخرج ودرَّس في هذه المراكز التعليمية كثير من العلماء الكبار الذين أتوا من بقاع عدة من الشام ومن العراق، وأيضًا وُلدوا في مصر. وفيما يلي سوف نتعرف على أهم علامات تطور العلوم في عصر المماليك.
المراكز التعليمية والعلمية
أقيمت كثير من المدارس التعليمية في عصر المماليك. وقد احتضنت هذه المدارس آلاف الطلاب الذين ظهر منهم كثير من العلماء المعروفين. ومن هذه المدارس نجد المدرسة الناصرية والمدرسة الظاهرية ومدرسة السلطان حسن. وقد اهتمت هذه المدارس بتدريس أنواع مختلفة من العلوم، ومنها علوم الشريعة والطب واللغة والرياضيات والفلك.
المؤرخون والعلماء
احتضن المماليك المؤرخين والعلماء الذين تركوا بصماتهم في شتى المجالات العلمية وكتابة التاريخ وتوثيق الأحداث في عصرهم وفي العصور التي سبقتهم. ومنهم:
-
ابن خلدون: وهو من الأسماء الرنانة والمتداولة إلى يومنا هذا، وهو من وضع أسس علم الاجتماع.
-
ابن النفيس: أحد العلماء الأطباء المعروفين في هذه الحقبة التاريخية، وهو من اكتشف الدورة الدموية الصغرى التي توجد في الشرايين الدموية داخل الرئتين.
-
قطب الدين الشيرازي: كانت له إسهامات كبيرة في علم الفلك والبصريات.
-
المقريزي: وهو واحد من أعلام المؤرخين الذين أرَّخوا لأهم المراحل التاريخية في العصور الوسطى.
الاهتمام بمجالات العلوم المتنوعة
أعطى المماليك اهتمامًا بالغًا بمجالات عدة في العلوم، مثل علوم الفلك والطب والصيدلة والجغرافيا.
-
كان الأسطرلاب اختراعًا يونانيًا قديمًا، ولكن في عصر المماليك تم تطويره ليكون بمنزلة ساعة دقيقة تقيس الوقت بدقة في الليل وفي النهار، وأيضًا بمنزلة بوصلة دقيقة ترشد السفن الحربية والتجارية في البحر في أي وقت.
-
اهتموا أيضًا بمجالات الطب والصيدلة، فبنوا المستشفيات التي كانت صرحًا تعليميًّا وعلاجيًّا، مثل المستشفى المنصوري الذي كان يعالج المرضى، وكان مركزًا لتعليم الطلاب الطب والصيدلة، وكان يحتوي أقسام الأدوية والجراحة وأمراض البطن.
كيف أثَّر المماليك في تطور الفنون؟
تحكي مباني المماليك في مصر والشام عن تاريخ طويل من العمارة والزخارف المميزة، وهي التي تعرفنا من هم المماليك، حتى إن كل سلطان كان له خاتم خاص يختم به على المباني التي بُنيت في عهده. فإذا أخذت جولة سريعة في شارع المعز في القاهرة القديمة فسوف تجد خاتم السلطان على جامع الحاكم بأمر الله وجامع الأقمر، وأيضًا مدرسة الظاهر بيبرس البندقداري ومجموعة الغوري. وهذا جزء من كل.
تطور العمارة الإسلامية في عهد المماليك
إن كنت تريد أن تعرف كيف أثَّر المماليك في تطور العلوم والفنون، فلا يوجد أفضل من نظرك لكي يثبت لك تطور مجال العمارة في ذلك العصر. ومن ضمن المباني التي تظهر هذا التطور ما ذُكر في الفقرة السابقة، وأيضًا نضم له ما يلي:
-
مسجد المؤيد شيخ: وهو أحد علماء عصر المماليك، يُسمى بفخر المساجد والزخارف في عصر المماليك الشراكسة. يتميز بزخارفه الدقيقة والخطوط العربية المميزة التي خُطَّت على جدرانه الخارجية قبل أن تدخل المسجد من داخل المسجد ذاته. ويمكنك رؤيتها بوضوح حتى يومنا هذا.
-
مجموعة قلاوون: وهي مجموعة من المباني تضم مدرسة ومستشفى وقبة في غاية الإبداع من الزخارف والخطوط الكوفية التي تزينها من الخارج ومن الداخل أيضًا، وقد كُتبت عليها الآيات القرآنية بطريقة إبداعية.
-
مسجد السلطان حسن: يقع في حي الخليفة في الدرب الأحمر. وما يميز هذا المسجد هو نمطه المعماري الذي يُعد تحفة من تحف هذا الزمان.
الخط العربي
أشرنا في السطور السابقة إلى الخط العربي في زخرفة جدران مباني المماليك. ومن ضمن الخطوط التي تم تطويرها في هذا الزمن الخط الكوفي وخط الثُّلث. وقد دخل هذا الخط في كتابة الكتب وجعل منها تحفًا وإبداعات لا مثيل لها، وقد كتبوا بالزخارف والذهب.
الصناعة في عصر المماليك
ازدهر في عهد المماليك أنواع مختلفة من الصناعات، منها الصناعات اليدوية. فنجد مثلًا صناعة النسيج من النوع الفاخر المزخرف.
وما نعرفه عن الخزف أنه خزف صيني، ولكن سبق المماليك في هذا المجال وأنتجوا أنواعًا وأنماطًا مختلفة من الخزف الذي عبَّر عن طريقتهم في إبداع هذا النوع النادر من الفنون، وقد نقشوا عليه بالزخارف بأسلوب دقيق للغاية. والغريب أنهم تمكنوا من ذلك عن طريق المهارات اليدوية التي لا مثيل لها.
وقد صنعوا الزجاج ولوَّنوه بالأملاح المعدنية وصنعوا من هذه التقنية الزجاج المعشق الذي استُخدم في نوافذ البيوت والمساجد.
مجالات الأدب والموسيقى
لم يقتصر البلاط السلطاني على النقاشات الحربية والإعداد للحرب فقط، بل كان مركزًا لتلاقي العلماء والأدباء لإلقاء الشعر والاستماع للموسيقى، والاستمتاع بالجلسات التي كانت تثري الحياة الثقافية في عصر المماليك.
👍👍
مقال رائع.. تحياتي للكاتب
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.