الطموح.. الحلم.. الدراسة.. ثم العمل.. ثم ماذا؟ ثم مرضٌ يقتحم حياتك دون إذنٍ أو سابق إنذارٍ! مرضٌ يضرب بقوةٍ فيُحطم أحلامك ويسلبك طاقتك ويقلب حياتك كلها رأسًا على عقبٍ.
اقرأ أيضاً متلازمة التعب المزمن.. الأعراض والأسباب والعلاج
ضرورة الشعور بالمريض المصاب بمرض مزمن
عزيزي القارئ، إنني في هذا المقال لا أدفعك إلى عدم تقبُّل المرض والقضاء والقدر والرضا، ولا أُظهر ذلك على الإطلاق.
وإنما أريدك أن تأتي معي لننظر إلى قلب إنسانٍ مريضٍ بمرضٍ مزمنٍ، ليس لتشعر بما يشعر به ذلك المريض من آلامٍ، لأنك لن تشعر أبدًا بما يشعر به، فلا يؤلم الجرح إلا صاحبه، وإنما أريدك في هذا المقال أن تُدرك وتفهم معنى أن يكون الشخص مصابًا بمرضٍ مزمنٍ، ما يساعدك ويساعد المريض أيضًا، كيف؟
هذا ما ستدركه في هذا المقال...
عزيزي القارئ، تخيل أن لديك سيارة، هذه السيارة مرَّت عبر عدة طرق سيئة أدت إلى حدوث عطل ما في سيارتك، وكنت تعتمد على هذه السيارة في الذهاب إلى عملك أو التنزه، أيضًا إن عطل هذه السيارة جعلك تأخذها إلى الميكانيكي وجعلك تدفع مبالغ كثيرة في سبيل تصليحها.
وأيضًا هذا أخذ جزءًا كبيرًا من وقتك وجعلك تتأخر على عملك، وأحيانًا أخرى يجعلك تحتاج إلى مساعدة أهلك سواء في الذهاب إلى العمل أم دفع الدين أم غيره، وهذا جعل أطفالك أيضًا حزانى لعدم الذهاب إلى التنزه، وجعلك أيضًا تُغيِّر أسلوب حياتك اليومي إلى التنقل بواسطة المواصلات من مركبة إلى أخرى، أنت الآن تشعر بالتعب، صحيح؟
فما بالك عزيزي القارئ بآلة حيوية معقدة داخلك تتعطل فجأة؟ أجل، جسدك الآن مريض ومنهك، فهو يعمل ضدك لوجود خلل ما في عضو من أعضائه أو في أداء العضو السليم عمله، لوجود خلل ما يتحكم في الناقلات العصبية، ومن ثم تعمل الآلة هذه أو العضو هذا المبرمج خطأً بطريقة خاطئة تكون نتائجها سلبية على الجسم كله.
اقرأ أيضاً أنواع الألم المزمن وعلاجها.. هل تعاني من أحدها؟
الصراع الداخلي
الآن أنت مريض تصرخ بأعلى صوتك: كفى! لا أريد هذا الألم.. أنا غير قادر على الذهاب إلى العمل.. أنا غير قادر على الشعور بالفرح.. أنا مضطر إلى الذهاب إلى الطبيب لإجراء الفحوص اللازمة.. وإلى الصيدلية للحصول على الدواء.. أو ربما للمكوث في المشفى!
ماذا عن أحلامي؟ لا أستطيع الدراسة، لا أستطيع الذهاب إلى العمل، لا أستطيع الذهاب للتنزه، لا أستطيع الاستمتاع براتبي، فعليَّ أن أحتفظ به لإجراء الفحوص اللازمة عوضًا عن صرفه في ملذاتي الشخصية كأي إنسان طبيعي آخر.
هذا جزء من الصراع الداخلي والحوار الداخلي اليومي، ماذا عن المحيط؟
اقرأ أيضاً ماذا تعرف عن الأمراض المزمنة؟
تأثير الأهل والوسط المحيط بالمريض
الآن يوجد طرف آخر.. الأهل..
تقول أنا متعب، فيقولون إننا نشعر بك ونفهمك لكنه مجرد مرض بسيط، إنك شخص كسول لا تحب العمل أو شخص انطوائي لا تحب الاختلاط بالآخرين أو شخص متشائم، وكل هذا المرض مجرد فكرة في ذهنك أو وسواس فقط.. فتقول: كلا لا أحد يفهمني!
هذا الصراع الخارجي كفيل بأن يجعل حالة المريض تتدهور، فهو يحتاج إلى مَن يفهم مرضه ويُدرك تأثيره في حياة المريض، فعدم ذهاب المريض إلى العمل لا يعني أنه إنسان كسول، وعدم اختلاطه بالآخرين لا يعني أنه غير اجتماعي، وإنما هذه آثار ذلك المرض في حياة المريض، فهي ليست جسدية فقط وإنما نفسية واجتماعية وعملية أيضًا.
إذًا عزيزي القارئ، ما يحتاج إليه المريض بمرضٍ مزمنٍ هو إدراك الآخرين تأثير هذا المرض في حياة المريض كلها، والكف عن توجيه اللوم والعبارات السلبية.
والأهم من ذلك عزيزي القارئ هو الاستماع، فالمريض يحتاج إلى مَن يسمعه ويُشاركه حواره وصراعه الداخلي اليومي بين الفينة والأخرى بكل حب.
الصحة تاج على رؤوس الأصحاء، ونعمة لا تقدر بأي ثمن لا يُدركها إلا مَن خسرها. فالمريض بمرض مزمن يتمنى يومًا واحدًا يقضيه بكامل صحته وحيويته، يومًا واحدًا فقط! ولا ننسى أنه على المريض الصبر والرضا والاحتساب، وأيضًا أنت طرف آخر في القصة، فعليك الإدراك والتَّفهم والاستماع أيضًا بكل ترحيبٍ وحبٍّ.
أغسطس 15, 2023, 12:21 م
مقال رائع
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.