ما أصاب الجهل أمة إلا وجعلها في ذيل الأمم. لكن إن حافظ المجتمع على العلم وقدسه وجعله أولوية فسوف يكون هذا المجتمع في القمة دائمًا، ويكون محط أنظار المجتمعات الأخرى. وهذا ما يدفعنا للحديث عن الأمية وأثرها على التنمية.
إن سألتني عن الذي يهدد استقرار الدولة أو المجتمع الذي تعيش فيه؟ فسوف أعدد لك كثيرًا من الموضوعات والقضايا الاجتماعية الشائكة والآفات الاجتماعية التي يجب الخلاص منها. ولكن، إن كنت تريد أن أخبرك على ما يغلف كل هذه المشكلات، فسوف أقول لك إنها الأمية بلا شك. فقد أصبحنا الآن في عالم يصنع الجهل عن قصد.
ما الأمية؟
يمر ذلك الشاب على لوحة إعلانية، يقترب منها ليلتقط الكلمات المكتوبة عليها، فيفشل في هذا الأمر فشلًا ذريعًا، وقد يستطيع التقاط كلمة أو اثنتين، ولكنهما لن يكونا كافيتين لأن يفهم محتوى هذه اللوحة، وقد تتعلق الكلمات المكتوبة بها بشيء مهم بالنسبة له ولكنه لا يدري.
فقد تكون إعلانًا عن شغل وظائف ذات شروط تنطبق عليه. فيمكن مثلًا أن يكون مطلوب شباب للعمل عمال نظافة لشركة معينة بمرتبات مجزية، ولكن لجهله بالقراءة والكتابة أضاع هذه الفرصة من يده، وأصبح ضحية في شباك عنكبوت البطالة الذي لا يرحم.
هذا مثال من أمثلة كثيرة على ضرر الأمية. لذا سوف نتناول الأمية وأثرها على التنمية في السطور القادمة. ولكن، دعنا أولًا نعرِّف الأمية.
الأمية هي عدم قدرة الفرد على القراءة والكتابة، أي يكون غير قادر على قراءة اسمه أو قراءة قطعة مكونة من مجموعة من الكلمات باللغة العربية حتى وإن كانت لغة بسيطة بعيدة عن التعقيدات. لذلك، نجد أن المشكلة الأولى التي تواجه العمال هي عدم القدرة على القراءة، وعلى هذا يكون لذلك أثره في كثير من الأنشطة التي تتطلب في الأقل الحد الأدنى من التعليم.
وقد تطور مفهوم الأمية، ليكون بدلًا من عدم القدرة على القراءة والكتابة إلى عدم القدرة على التعامل مع جهاز الكمبيوتر. ويقال إن هذه هي الأمية الحديثة. لكن، هل تأخذ الأمية أشكالًا أخرى غير تلك الأشكال؟
أسباب ارتفاع معدلات الأمية في معظم الدول العربية
تؤثر الأمية مباشرة في نهضة الأمم. حيث يصبح الأمي عبئًا على الدولة وتقل إنتاجيته ويكون محددًا في مجموعة ضئيلة جدًّا من المهن؛ لأن معظم المهن في العصر الحالي، أو بمعنى أصح الغالبية الكاسحة منها تحتاج شخصًا يعرف كيف يقرأ وكيف يكتب وكيف يتعامل مع الأجهزة الحديثة سواء كمبيوتر أو آلات المصانع أو ما شابه ذلك.
لذلك، نتناول في النقاط التالية أهم الأسباب التي أدت إلى ارتفاع نسبة الأمية في كثير من المجتمعات العربية:
- عدم تولية التعليم الاهتمام الذي يليق بمكانته في المجتمعات، حيث يهتمون فقط باستغلال الأطفال في الأعمال المختلفة، مثل الأعمال الزراعية والعمل في المصانع، ولا يهم أن يكون الطفل متعلمًا أم أميًّا.
- تؤدي زيادة نسبة الفقر إلى زيادة نسبة الأمية. فبدلًا من تحمل الآباء الأعباء المادية الخاصة بتعليم الأبناء، يخرجونهم من المدارس أو لا يدخلونهم من الأساس، ويلحقونهم بالعمل في الورش والمزارع والمصانع لكي يساعدوا الأسرة في تحمل أعباء الحياة المادية.
- يتحمل الابن الصغير مسئولية الأسرة بسبب وفاة الوالد أو من يعول الأسرة، فيصبح هو العائل الأول للأسرة، فيهمل تعليمه في سبيل أسرته.
- تعد الزيادة السكانية من أسباب الأمية، حيث لا تستطيع الدولة توفير عدد كافٍ من المدارس، ولا توفير المرافق التي تحتاج إليها الأبنية التعليمية؛ لذا لا يجد كثير من الطلاب مكانًا لهم في المدارس، فيحدث عزوف عام عن التعليم.
- تظهر مشكلة الخروج من التعليم كثقافة منتشرة في المجتمعات التي تعاني مشكلات اقتصادية بسبب تكلفة التعليم الباهظة، ورؤية الأهل تجاه التعليم بأنه ليس له أهمية، ومضيعة للوقت والأموال بغير فائدة.
الأمية وأثرها على التنمية
للأهمية آثارها في تعطيل تنمية المجتمع. فكلما زاد عدد الأميين في المجتمع، كان ذلك عبئًا ثقيلًا على هذا المجتمع، وتكون بمنزلة حجر عثرة يعيقه عن الوصول إلى التقدم والرقي. ومن أهم آثارها ما يلي:
- عدم قدرة الشخص الأمي على الانخراط في المجتمع والاختلاط بمن لهم قدر ولو قليل من التعليم بسبب اختلاف الاهتمامات.
- تحدد الأمية الفرد في مجموعة صغيرة من المهن، وتبعده عن المهن ذات الأرباح والراتب الأعلى، وتغلق الأبواب أمامه أن يصل إلى أعمال أخرى تزيد كسبه للمال؛ فيقع في براثن الفقر.
- تؤثر الأمية في المهارات العقلية عند الطفل، فعندما يكبر لا يتمكن من خدمة المجتمع في المجالات التي يحتاج إليها هذا المجتمع.
- تزداد بسبب الأمية ظاهرة عمالة الأطفال في سن غير قانونية؛ ما يدمر طفولتهم، ويزيد الكبت بداخلهم، فيصبحون كالقنابل الموقوتة داخل المجتمع.
- لا يدرك الشخص الأمي الحقوق التي عليه الحصول عليها، ولا والواجبات الملقاة على عاتقه.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.